ترواح بين الأدب والشعر وحراك النضال السياسي
لم اكتب مذكراتي لأن هناك أمور اخشى كتابتها فتغضب البعض !!
-
اشتهر بلقب الأستاذ .. وفرضت روحه المحبة للدعابة ذاتها على ديوانه ولُقب بالرجل الموسوعي لسعة اطلاعه .
-
تصدى الأنصاري والمدرسين والمثقفين لمحاولات الإنجليز تغيير المناهج الدراسية ووزعوا المنشورات ليلا فسجنتهم السلطة .
تراثنا – التحرير :
بسطت مجلة الكويت في كتابها (الأول ) المرفق بالعدد 259 مايو 2005 صفحاتها بتوسع لحياة الأديب الكويتي والكاتب والسياسي عبدالله زكريا الأنصاري (1922 – مايو 2006 م ) ،يرحمه الله .
خصصت مجلة الكويت كتاب الاول*من الغلاف إلى الغلاف الأخير، للأديب زكريا الأنصاري وكتاباته ، وتقريضات زملائه الأدباء والمثقفين وشهادتهم له ، كما شمل العدد لقاء موسع أجرته معه المجلة تناول مباحث حول القومية والديمقراطية والعديد من القضايا التي شغلته ومثلت فكره وتجاربه ومحور اهتماماته في كتاباته ونقده وأدبه وشعره ،وعلاقاته مع فهد العسكر وفهد الدويري وإبراهيم الفهد وعبد المحسن الزبن وبدور طليعي صالح شهاب وسواهم .
رجل موسوعي
ومن التقريضات..ما كتبه فيصل بوخضور وزير الشؤون الاجتماعية والعمل ووزير الأعلام بالوكالة حينها عن علاقته الشخصية به فيقول ” فإن روح الدعابة في ” الأستاذ ” كثيرا ما تتمظهر في ديوانه ، وهي تضفي على علاقته بأصدقائه كثير من البهجة مشيداً بموسوعيته ،وهي صفة كما يقول :أصبحت نادرة هذه الأيام ” .
الأنصاري صديق الأدباء والشعراء
ومن المشاركات البارزة في العدد مقال كتبه جاسم عبدالعزيز القطامي بعنوان ( الأنصاري.. وجه الكويت المشرق في قاهرة الخمسينات ) حيث يوضح أن علاقته بالأديب الكبير تعود إلى عام 1951 م ، عندما كان طالباً في كلية البوليس في القاهرة ، وكان الأستاذ الانصاري مسؤولاً في ( بيت الكويت في القاهرة ) ويشير إلى أن معظم صداقات الأنصاري في القاهرة كانت مع الشعراء والأدباء وأصحاب المكتبات ، بالإضافة إلى محلات تجليد الكتب!! ..وكانت له في القاهرة مكتبة كبيرة عامرة ، كنا نتردد عليها كلما احتجنا بعض الكتب.. ويشير إلى أن الأستاذ فتح له صفحات مجلة البعثة ليمارس هواياته الأدبية..
ومن الذكريات الفارقة في مقالة القطامي اشارته إلى عندما كلفه الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم بمنصب وكيل وزارة الخارجية كان من استعنت بهم لتكوين الجهاز الجديد للوزارة الأخ عبدالله زكريا الأنصاري حيث تولى منصب مدير الادارة المالية والقنصلية .
الانصاري ونفسه المعذبة
ومن جهتها تناولت د . سهام الفريح في مقالتها المعنونة ب(أهم الظاهر الفنية في شعر الأنصاري – من كتاب مزايا الذات ) فتقول في مطلع عرضها لشعره : ” إن شعر الانصاري يغلب عليه الشكوى الذاتية ،والمشاعر الحزينة ، وفيه سعي إلى الهروب من هذه المشاعر ، والبحث عن ملاذ لنفسه المعذبة القلقة فلم يكن حديث الحب وحده هو الملاذ ، إنما الحديث عن الشعر بذاته وسيلته للتعبير عن ذاته المعذبة ، حتى أمسى هذا الحديث ظاهرة في شعره “.
معركة المناهج التعليمية
وتناول الكاتب أحمد الديين مواقف الأنصاري السياسية تحت عنوان ( الأستاذ ..مناضلا سياسيا ) حيث نوه بدوره في “ معركة مناهج التعليم ” التي كان الانصاري ” يرحمه الله ” أحد أبرز قادتها عام 1942م ، وبيّن انه بناء على نصيحة المدير البريطاني لمعارف البحري ومستشار إدارة معارف الكويت جيمس وكلن جرى اعتماد منهج التعليم المصري لمدارس الكويت ، والغى المنهج المتبع للتعليم منذ العام 1936 ، القائم على مزيج بين المنهج العراقي وبعض المنهج الفلسطيني .
تغيير المنهج الدراسي
وأشار الديين إلى ضغوط الإنجليز لأبعاد مدير المعارف عبد اللطيف الشملان البحريني الأصل ، وتعيين علي محمد هيكل ، وهو مصري من أبو زعبل مديراً لمعارف الكويت ، وكان صديقاً لوكلن حيث طلب على الفور من وزارة المعارف المصرية أن تقدم 5 آلاف كتاب منحة إلى المعارف الكويتية ،وذلك لضمان أن تكون الكتب الدراسية خالية من أي اشارة إلى الإنكليز أو غيرهم ، إلى جانب تغيير منهج الجغرافيا وتاريخ الكويت.. حيث لقيت تلك التغييرات معارضة في صفوف المثقفين والمدرسين الكويتيين وفي مقدمتهم الأنصاري .
حرب المنشورات
ونوه الديين إلى لقاءات اجرتها المعارضة في ديوان الأنصاري ، حيث جرى كتابة منشورات على ضوء السراج ، بالاستعانة بورق الكربون ، كانت تلقى ليلاً في الأسواق ليطلع عليها المواطنون في الصباح ، فرصدت السلطات تلك الحركة ، واعتقلت قادتها ومنهم : الانصاري وحمود المقهوي وخالد المسلم وصالح الشهاب وفهد الدويري وعبدالله عبداللطيف المطوع ، وسعود الخرجي وعبدالوهاب العدواني وعبدالعزيز العنجري ،وصالح عبدالملك، وعبدالعزيز الدوسري ..وغيرهم ، وكشف تعرضهم للضرب المبرح هو وزملائه في إدارة المعارف بمبنى المباركية ، حيث تولي الشيخ عبدالله الجابر التحقيق مع عدد منهم بحضور مدير المعارف علي هيكل ، ثم نُقلوا إلى سجن بهيتة وامضوا فيه نحو أسبوع ، إلى أن تدخل الشيخ يوسف بن عيسى القناعي لدى الشيخ أحمد الجابر فتم الأفراج عنهم ..أما على محمد هيكل فقد قرر مغادرة الكويت نهائياً ..ووصف الديين معركة المناهج بأنها تعكس الهم الثقافي القومي والوطني العني وامتزاجهما في المسيرة النضالية للأستاذ .
حادثة التزوير
وتحدث الديين عن نضال الانصاري في مواقف سياسية عدة منها تزوير انتخابات البرلمان عام 1967 حيث ترشح لعضوية البرلمان ضمن قائمة ّ نواب الشعب ” في دائرة كيفان مع جاسم القطامي وراشد صالح التوحيد ، ودوره في تأسيس “النادي الثقافي في الكويت ” حيث كان الأنصاري احد أعضاء الهيئة التنفيذية في الخمسينيات ، غير انه توقف بسبب تخوف المقيم البريطاني من تأسيس ناد ثقافي !!
مقالات عدة
الكتاب حافل بالمواقف والمشاركات المشيدة بشخصية وأدب ونضال الأنصاري ، من زوايا عدة ، حيث شارك فيها عبر كتاباتهم كل من : د .سعاد عبدالوهاب ( مستويات الحوار في شعر الانصاري ) ، وشاهر عبيد في ( الأنصاري ..ومرايا الذات ) ،ومحمد بسيوني ( الأنصاري .إضاءات فنية وشخصية ) .
اقوال وتقريضات
وفي استطلاع شمل مجموعة من الكتاب والمثقفين والأدباء ، ادلى بشهاداتهم ضم كل من : د .سليمان الشطي، علي السبتي ، عبدالله خلف أمين عام رابطة الادباء ، عادل محمد العبدالمغني ، يعقوب السبيعي ، د خالد عبداللطيف رمضان ، د .مرسل العجمي ، فاضل خلف ، فيصل السعد ، ليلي محمد صالح .
قصيدة للخضري
كما خص الكتاب الداعية الشيخ عبدالله أحمد الخضري بقصيدة بعنوان ( لغة .. في الأنصاري ) كان مطلعها :
احبيبتي معشوقة السمار
بنت العلا وسليلة الأخيار
لهذا لم اكتب مذكراتي
في رده على سؤال وجهه محرر مجلة الكويت عن سبب امتناعه عن كتابة مذكراته فيقول عبدالله زكريا الأنصاري ” يرحمه الله ” :
كثيرون سألوني أياه ( كتابة المذكرات ) لم لا تنشر ؟ بل وكانوا يلحون علي لكتابة مذكراتي ّ.
ولكن من يقرأ ؟ من يقرأ مذكراتي ؟ من يهتم بها ؟ ثم أن هناك من الذكريات في خاطري ما أقدر على كتابتها .. ثمة أشياء لا يُكتب عنها .
لقد تقدم بي العمر ، واعتورني التعب ، ويصعب عليّ والحال هذا ، أن اجمع أو استجمع هذه الأمور ، على شدة تفرقها ، لدي أشعار كثيرة متفرقة بين الكتب والملفات ، وبين الكويت والقاهرة ، وكما اسلفت هناك أمور اخشى كتابتها ، لكونها تغضب بعض الناس .
هامش :
*كتاب ( الكويت ) الأول الصادر عن مجلة الكويت عدد 359 مايو 2005 م ، من مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق .
تواصل مع تراثنا