أعلام رحلوا عن دنيانا
العلامةالجاسر جال شرقاً وغرباً في وقت شح فيه المال والمتاع
تراثنا – د. محمد بن إبراهيم الشيباني * :
في صباح يوم الخميس الثالث من شهر صفر1390 هجرية ( 9/4/1970 م ) خرجت من منزلي ، بعد أن ودعت أم محمد وأبناءها وداع مقبل على سفر ، فسألتني إلى أين ؟ فقلت : لا أدري !
ولكن كما يقال في المثل النجدي ” السبلة أو الكويت ! ” ، أي أنني سأسافر على ما أظن أحدى سفرتين طويلة أو قصيرة ، وأصل المثل أن رجلاً من أهل بلدة الزلفي ( في السعودية ) خرج في الصباح من أهله ، وقال لهم : ” أنا ذاهب إلى السبلة أو الكويت “.
وأهل الزلفي ممن عُرفوا بالمغامرة وإطالة الأسفار، ومضى لهم زمن كانوا فيه من أشهر أهل الجزيرة ، وأكثرهم في الأسفار إلى البلاد الخارجية .
وعُرفوا بأنهم أقوى المشتغلين بنقل البضائع من موانئ شرق الجزيرة كالكويت والعقير والقطيف إلى وسطها ، فكان الواحد منهم يتسهل السفر إلى تلك الجهات كما وقع لذلك الرجل الذي لا يفرق بين الذهاب إلى روضة السبلة ، الواقعة بجوار الزلفي ، التي حدثت فيها في 20/10/1347 هجرية (1927م) وقعة السبلة المعروفة ، لا يفرق بين الذهاب إليها ، والسفر إلى الكويت على الخليج العربي .
انتهى نص العلامة حمد الجاسر في كتابه ( في شمال غرب الجزيرة العربية ) ص 13، وهو نص عزيز من رجل عظيم أفنى حياته في البحث والتقصي والتدقيق في كل مكان من الجزيرة العربية ، أو عالمنا العربي من شرقه إلى غربه ، وفي وقت عز فيه كل شيء وغلا بل شح الراحلة والمتاع والمال حتى جاء يومنا وتسهل فيه الصعب ،وفاض المال والجهات الراعية للجهد والبحث العلمي في دولنا الخليجية ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ويصرفه عمن يشاء .
وقد صدق الجاسر ( رحمة الله عليه ) في مثله الذي أورده ، فها نحن نعيش أو تدور الدائرة علينا ، فوالله من كثرة ما جبنا هذا العالم الفسيح الكبير ، ولا نهاية لما فيه من العلم والمشاهد والانطباعات التي لا تنتهي ، ترانا قد ثقلت أرجلنا عن المسير ، وتعبت نفوسنا من الجهد المبذول في خدمة العلم وأهله في السفر للمعلومة ، وأبدلنا استراتيجيتنا الرحلة في الأرض إلى الأخلاد فيها ، والنشاط في استخراج الكنوز .
أو قل ذلك الجمع الهائل من المعلومات التي تحتاج إلى أعمار تساوي أعمارنا ومثلها معها لنشرها وافادة الساعي لها ، وتوفير الوقت والجهد بدل شدهم الرحال وصرف الأموال ، كما بدأنا نحن بذلك وسبقنا أعلامنا الأفذاذ أمثل هذا الشيخ العلامة المجتهد الذي ترك جبالاً من الكتب والمعلومات التي لم ير النور الكثير منها .
ولولا فضل الله ثم حكومة المملكة العربية السعودية التي رعته في حياته ، وها هي ترعاه في مماته ، بتشكيل هيئة خاصة من الاساتذة والعلماء تنشر تراثه وميراثه ، على رأس ذلك مجلة ” العرب ” التي تعني بتاريخ العرب وآدابهم وتراثهم الفكري .
والله المستعان ..
• النور البعيد
” إني أشعر بالمسؤولية التاريخية لواجبي أن اكتب عن كل صنوف الحياة الانسانية والاحداث الاجتماعية ، واسكب دمي ودموعي واحرقها من أجل ان ابعث نوراً من الأمل، سلوانا لأولئك السائرين نحو طريق السعادة . ” لو وينفو” .
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا
مقالات سابقة