أزمات تعاضد فيها الحكام والتجار  والأطباء ورجال العلم الشرعي في دفع البلاء

تراثنا – التحرير :
اصاب وباء كورونا العالم بالذعر والفزع ، خاصة سرعة انتشاره من مصدر الوباء وبؤرة انطلاقه في الصين إلى مناطق عدة في العالم .

ومن تلك البلاد التي ابتليت به ، الكويت ودول الخليج والعالم العربي ، ليعيد تذكيرنا بأمراض فتاكة اجتاحت المعمورة في ازمنة ماضية، ابادت شعوبها ابادة تامة او جزئية .

• عجائب من الأوبئة حلت في دول إسلامية في قرون ماضية حتى ابيد الناس في مناطق عن بكرة أبيهم .

• فتك طاعون عام 1831 م بأهل الكويت حتى خلت البيوت من سكانها ودفنوا موتاهم في بيوتهم .

• سطا سارق على بيت امرأة وحيدة اصيبت بالطاعون فسرق حلالها فأصيب بالمرض ومات في بيتها!

• الطاعون حل على الكويت من العراق المجاورة عبر التبادل التجاري فأهلك 350 ألفا من أهل البصرة .

• دعا أحد مشايخ العلم أهل الكويت إلى مغادرة بيوتهم ، فسكنوا في أكواخ بالشويخ كانت اشبه بحجر صحي فتشافوا .

وفي هذا السياق نجد تاريخنا في الكويت قد مر بحالات شبيهة نعيد استذكارها مع كتاب ( الأمراض الفتاكة في تاريخ الكويت ) لمحرره د . محمد بن إبراهيم الشيباني رئيس التحرير .

في البدء ، يتناول مؤلف الكتاب وجامع مادته د . محمد الشيباني غرضه منه فيقول في المقدمة : ” لم يسلم بلد من البلاد على هذه الأرض منذ ان خلق الله البشر إلا وقد اصابه ما اصابه من الأمراض المعدية التي أهلكته حيث لم تترك لأي أحد عقباً بعده ، بل أبيد الناس في مناطق عن بكرة أبيهم ولم يبق إلا البنيان ، كأنه يحكي قصصهم وأفراحهم وأتراحهم ..

ويستطرد : أما القرون الماضية في الدول الإسلامية ، فيذكر المؤرخون عجائب أنواع الأوبئة والأمراض وتنوعها التي حلت بالناس حتي عجزوا عن التدافن ، فتركوا الجثث في الشوارع مما زاد الأمر شدة وأمراضا على المرض الأصلي ..”.

الطاعون المرض الفتاك
في هذا التبويب يأتي الكاتب ليوضح أن طاعون عام 1247 هجرية (1831 م ) لم يكن الوباء الوحيد الذي فتك بالناس في الكويت ، بل سبقته أوبئة عدة ، وأعقبته أخرى .

ففي عام 1247 هجرية ، ينقل المؤلف عن يوسف بن عيسى القناعي : أن الطاعون لم يختص الكويت بل حدث بالعراق ، وغيرها من البلاد على الخليج العربي :” وقد فتك بالكويت فتكا ذريعاً ، بحيث أن اغلب البيوت خلت من سكانها ، بل عجز الناس عن دفن موتاهم في المقابر ، فأخذوا يدفنونهم في بيوتهم “.

مات السارق في مكانه !
وفي نفس السياق يقول القناعي :” ومن النوادر التي جرت في أيام الطاعون أن بعض البيوت لم يبق فيها سوى امرأة أصيبت بالطاعون ، فدخل سارق وأخذ ماعز من البيت ، ولم تستطع المرأة ان تستغيث ، فلما حمل المال على ظهره ، أصيب ولم يستطع حمله ، وبقى هو والمال في محله حتى توفى ، وسلمت المرأة من المرض ..!(1)

من قطر إلى قطر
وينوه الشيباني إلى انتقال الأمراض السارية من قطر إلى قطر حاملة الفزع والموت ، مشيراً إلى دور السفن التي كانت تتردد بين البصرة والكويت ، حاملة النخل والفواكه وغيره طوال السنة ، لافتاً إلى تفشي الطاعون في العراق في عام 1773 م فأهلك أكثر أهل البصرة ، ومات نحو ثلاثمئة وخمسون ألفا ، ومن اهل مدينة الزبير ستة آلاف نسمة .

بقايا القبور في الكويت
ولم يستبعد د .الشيباني ان ما تم العثور عليه من بقايا قبور في ساحات وبرايح ، في مواقع مختلف في الكويت ، وما كشفته السيول هي نتاج التأثر بأمراض تلك الفترة .

شهادات مؤلمة
ويروي في سياق حديثه الكثير من الأحاديث الحزينة المؤسفة على لسان المؤرخين أمثال أحمد البشر ،والشيخ عبدالعزيز الرشيد من أرقام مهولة للموتي ، مع ذكر شخصيات شهيرة اصابها المرض ، وعودة الناس إلى ربهم في مثل هذه

المآسي ، ومنها ما أشار اليه أحد مشايخ العلم في الكويت حيث دعا الناس إلى مغادرة المباني والبيوت ، فتركوها وابتنوا لهم اكواخاً في الشويخ ، وكان القادم إليهم يسمع التهليل والحوقلة ، قبل وصوله إليهم بمسافة بعيدة ، وبقوا أياماً في هذا الأكواخ والخيم ، يدعون الله أن يرفع عنهم هذه النازلة الفظيعة ، إلى أن توقفت الإصابات فرجعوا إلى بيوتهم .

تلاشى المرض
وينقل المؤلف قول المؤرخ البشر : ” ويشاء القدير فيتلاشى المرض شيئا فشيئا حتي ينعدم قبل أن تنعدم الكويت ، وإذا الأحياء من أهلها لا يجدون من يمت إليهم بصلة القرابة إلا النادر القليل ” .

ويقول الشاعر النبطي (2) :
شفنا المنازل مثل دوي الفضا
      عقب السكن صارت خلايا مخاريب
واحسرتي ليمن طرا ما مضى
     عصر يذكرني الأهل والأصاحيب

مرض الجدري
وينوه المؤلف إلى أن آخر مرض لوباء الجدري في الكويت حدث في عام 1351 هجرية ( 1932 م ) حيث لم يكن في الكويت سوى مستشفى الإرسالية الامريكية ، وليس به سوى طبيب واحد وبعض المساعدين .

صراعات المنطقة والجدري
وتقول فيوليت ديكسون ( أم سعود ) عن هذه السنة 1932: لقد جاءت في وقت محنة ومعاناة شديدين ، عندما لجأ مئات من بدو قبائل العجمان ومطير إلى الكويت ، بعد تمرد الإخوان في الفترة ما بين ( (48 – 1349 هجرية ) ( 29 – 1930 م ) وكان مرض الجدري مستوطناً في نجد ، وكان هناك دائما حالات معينة منه في الكويت ، كنتيجة لوفود بعض البدو السعوديين إليها ، للتزود بالمؤن على الرغم من الحصار الشديد الذي كان يفرضه الامام عبدالعزيز آل سعود على ابن رشيد في ذلك الحين “.

نجاح الحملات
وتشير فيوليت إلى ان الأُسر التي يصاب بعض افرادها بالمرض تتكتم وتبقي الأمر سرا .. وتنوه إلى انه نتيجة للحملة التي قاموا بها بين نساء البدو والحضر على السواء ، اقتنعت بعض النساء العربيات بإحضار أطفالهن إلى المستشفى لتطعيمهن..”.

صعوبات الحملة
ونوهت إلى بعض الصعوبات التي واجهت الحملة التوعوية ، مشيرة إلى صعوبة الاحتفاظ بمخزون المصل الواقي ، فقد كان المصل يأتي عن طريق البر من البصرة ، وفي الجو البارد فقط ، حيث لم يكن الثلج متوافرا .

لا شك ان الحكايات التي يوردها الكتاب والأحداث والنقولات والشواهد كثيرة ، تتكرر بصور مختلفة في مناطق مختلفة ،ولها شواهد عدة عبر الأزمنة ، تعاضد فيها الحكام والتجار ورجال العلم الشرعي وغيرهم في دفع البلاء ، بما يتوفر لديهم من امكانيات ومال وعلم ( يرحمهم الله حميعا ) .

أخيرا ..

كتاب (الأمراض الفتاكة في تاريخ الكويت – الطاعون – الجدري – الانفلونزا) لمؤلفه د . محمد الشيباني ( صدر عام 2017 م) ، يقع في 125 صفحة من الحجم الوسط ، من منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق ( قسم وثائق الخليج والجزيرة العربية ) .

هامش
1- صفحات من تاريخ الكويت ص 64
2- الناظم : يقال انه سعود بن محمد وهو الذي سمي أحد احياء الكويت باسمه ( فريح سعود )

تواصل معنا 

زيارة الصفحة الرئيسة ( تراثنا ) – . حساب  ( تراثنا ) على منصة تويتر – حساب ( المخطوطات ) على منصة انستغرام – مجلة ( تراثنا ) الورقية -الموقع الالكتروني لمركز المخطوطات والتراث والوثائق -تتوفر تراثنا عن طريق الاشتراك فقط حاليا ً..التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء ادناه -هواتف المركز :  25320902- 25320900/ 965 +