أعرف مع من تُطبع!
صوت من أعماق التاريخ (2/2)
تراثنا – التحرير : أنتفت تراثنا من صفحات الماضي ، مقالة كتبها الأستاذ محمد لبيب البوهي ، بعنوان ( الصهيونية تحفر قبرها ) *من مجلة الوعي الإسلامي الكويتية الصادرة في عام 1983 م .
المقالة .. حية باقية ، وصالحة لكل زمان ومكان ، وكأنها تخاطب المنطلقون بقطار التطبيع اليوم مع إسرائيل بلا هوادة ، وتنذرهم تسليم مقاليد ثوابتهم الدينيةواعرافهم وعقولهم وأمن بلادهم واقتصادهم لأمة وصفهم مؤرخوا الغرب أنفسهم بأنهم ( مجموعات من الهمج لا يرتبطون بعهد ولا ذمة ولا قانون ) !! المؤرخ ويلز .
-
طبع الشر لازمهم وفي كل أزمنتهم ، وكلما انقذهم الله ، سارعوا بالتنكر لفضله عليهم فعبدوا العجل !
-
التوراة المحرفة تأمرهم بالسرقة : ” أنكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها امتعة فضة وذهب ، فتسلبون المصريين ” !!
-
عاقبهم الله بالتوهان في صحراء سيناء إربعين سنة لا يعرفون مخرجا حتي فنى الجيل الذي عبد العجل وجاء غيره .
-
المؤرخ ديورانت : قتلوا اثنى عشر ألفاً من سكان احدى المدن التي استولوا عليها وذبحوا حاكمها في افظع مذابح التاريخ .
-
المؤرخ ويلز: ” ان حكامهم ، في اغلب الأمور ، مجموعات من الهمج لا يرتبطون بعهد ولا ذمة ولا قانون .
-
كلما أرتفع شأنهم غدروا بالأيادي التي تمتد إليهم بالخير ، فهل يؤمن شرهم وهذا حالهم طوال التاريخ ؟
التلون لكل مرحلة
وتناولت تراثنا في الحلقة السابقة جانب من صفات الغدر والصلف التي كانت سمتهم الغالبة عليهم ، حيث الاستقواء بالظالمين على الشعوب التي تأويهم وتستضيفهم ، والتنكيل بهم عند التمكين ،والاستكانة والانزواء في حارات خاصة بهم حين الضعف ، لحين جولة تكون القوة العددية والمادية بأيديهم ، ليواصلوا سلسلة الغدر والخسة والدناءة التي جبلوا عليها عبر التاريخ وإلى اليوم .. وكان التساؤل: في أي مرحلة من المراحل نقف معهم الآن ؟؟
لماذا نصرهم الله
يتساءل الكاتب البوهي عن حكمة الله في نصر بني يهود على فرعون رغم بغيهم فيقول : ولماذا ينقذ الله قوما يغلب على طبيعتهم الشر ” ؟
ويجيب بنفسه على التساؤل : ” ولكن الله لا يرضى بالظلم حتى للذين يحيدون عن طريقه ، وكان فرعون ظالماً بلغ به الشأن أن أمرهم بعبادته من دون الله ، فكان أمر الله بإنقاذهم من عبودية فرعون ” .
سنة الله في الظالمين
وهنا نلفت النظر إلى سنة من سنن الله وتقديراته الحكيمة، إذ أنه تعالى قد ينصر أهل الضلال والعدوان على من هو أشد منهم عتواً وظلماً ، ولا يوجد اعظم من دعوة فرعون إلى عبادته من دون الله .
وقد تدور الدائرة على من نصرهم الله إذا بقوا على ظلمهم ، فيعاقبهم ويرد بغيهم وعدوانهم بنصرة آخرين عليهم أقل عدواناً ، وهكذا .. حتي يمهد الأرض ، ويُمكن لأهل الحق من حزبه( ولَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة /252 .
عدوان حتي في لحظة الانتصار
ويتواصل عدوان بني إسرائيل وطغيانهم حتى في لحظات وعدهم الله بالنصر ، إذ ينقل البوهي نص من سفر الخروج في الإصحاح الثاني عشر سرقتهم شعب مصر الذي استضافهم !! : ” أنكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها امتعة فضة وذهب ، فتسلبون المصريين ” !! هكذا حالهم ، جور ما بعده جور ، حتى في وقت ينبغي فيه الشكر لله والامتنان لفضله والعودة إليه.
عبدوا العجل فوراً
ويستأنف البوهي : ” ومن هذه الحلى صنعوا الصنم لعبادته ، بعد أن نجاهم الله ، وقد صنعوا ذلك بمجرد وصولهم إلى الشاطئ الآخر، وفي ذلك تقول آيات الله ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ) طه /87و88 .
الطبع الشرير الغالب
وتحت العنوان الفرعي ألآنف ، يستنكر الكاتب محمد لبيب البوهي الطبع الشرير الغالب على بني إسرائيل : ” كان الأجدر بهم شكر الله على نعمة انقاذهم ، بل سرعان ما تنكروا لفضل الله عليهم ، فما أن تركهم موسى لميقات ربه ، فأصروا في غيابه القصير أن يكون لهم عجل من ذهب يعبدونه من دون الله ” !
وكانت العقوبة
ويستطرد : ” وقد صنعوا العجل من الذهب المسروق من نساء أهل مصر ،ولذلك لم يدخلوا أرض كنعان في فلسطين ، إلا بعد أن عوقبوا بأن تاهوا في صحراء سيناء أربعين سنة ، لا يعرفون لهم منها مخرجاَ حتى فنى الجيل الذي عبد الصنم ، ونشأ جيل جديد “.
وفيه اشاره جلية ، أن اتباع الرسالات السماوية بما فيهم المسلمون ، يعاقبون بصدهم عن الله ، وقد تطول العقوبة لأمد يعلمه ، حتى يقل أو يفنى أهل الباطل ، ومجيء نشأ جديد ينصرونه ، أو باستبدال أمة الرسالة بغيرهم من القوميات والعرقيات ولا يكونوا امثالهم بالضلالة (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) محمد / 38
مجازر لبنان
ويكرر البوهي مشاهد القتل والذبح التي تمثل سمة غالبهم لليهود في البلاد التي تستضيفهم، وينوه إلى مذابحهم ومجازرهم الشنيعة في لبنان سنة اعداده المقال عام (1983 م) أو نحوها .
شهادة المؤرخ ديورانت
ويستشهد في السطور التالي على بغيهم في الارض ، بعد موت هارون ثم موسى عليهما السلام ودخولهم تحت قيادة يوشع بن نون ، حيث ينقل عن المؤرخ ( وول ديورانت في الجزء الثاني من كتابه عن تاريخ حياتهم صفحة 326 : ” استولوا على أحدى المدن واحرقوها بعد أن قتلوا من أهلها اثنى عشر ألفا وذبحوا حاكمها ، ولسنا نعرف في تاريخ البشرية ما هو افظع من هذه المذابح ” !.
شهادة المؤرخ ويلز
وينقل البوهي شهادة المؤرخ ويلز ، غير أنه يستدرك : وتلك شهادة غير مسلم حتي يتهم بالتحيز أو العصبية ،”: أنه بعد أن أنزل بهم بختنصر ما كانوا يستحقون من عقاب عام 586 قبل الميلاد ، ظلوا في شتات حتي أعادهم قورش إلى أرض كنعان ، وأباح لهم شيئاً من الحرية ، تحت زعامة عُزير الذي يسمونه عذرا ، فأقاموا دولة صغيرة في جزء من أرض فلسطين ، ولكن تصرفاتهم عادت بعد ذلك لتكون في اكثر الأحيان مع جيرانهم ملطخة بالعار “.
يحفرون قبورهم بأعمالهم
ثم يقول هذا المؤرخ : ” ان حكامهم ، في اغلب الأمور ، مجموعات من الهمج لا يرتبطون بعهد ولا ذمة ولا قانون ، فما لبثوا مرة بعد مرة أن حفروا قبورهم بأعمالهم ، فقطع الله دابر حكمهم ، بعد فترة لا تعد في أيام الحياة شيئاً مذكوراً ، فلم يزد عمر دولتهم تلك عن خمسة وعشرين عاماً ، وبعث الله عليهم من شتت شملهم مرة أخرى ، وفي ذلك يقول الحق سبحانه : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ ) 167 / الأعراف .
ذرتة بعضهم من بعض
ومن باب التذكير ، فهذه الذرية ذات الصفات اللئيمة الحاقدة ، هي صفات أجدادهم الأول الذين تحدروا من صلب الأثنى عشر أبناً من ذرية يعقوب عليه السلام ، حيث تمكن الشر في أكثرهم ، إلا من تبع الحق منهم ، “وهم الذين غدروا بيوسف وأخيه ، وكذبوا علي أبيهم ” كما يذكر البوهي.
وكل ما نشاهده في التاريخ ، من غدر واستكانة وضعف ،واستعلاء ، تُنبأ (الحصيف ) بما جُبلت عليه هذه العقلية ، وغُذيت به ثقافتها في عصورها كافة ،ونحتت في ذاكرتها الجامعة تلك الصفات ، مدعمة بتحريف كتابهم المقدس .
فمن يستكين لهم ، ويأمن شرهم ، ويسلم مقاليد أمره لهم ، فكأنما سلم رقبته للسياف، فسيناله من غدرهم ووبال كيدهم الكثير، ولن يلووا على شيء ، ولن يتوقفوا عند حد ، ولو كان بتغيير خرائط المنطقة الإقليمية لتحقيق مصالحهم بدعم قوى المجتمع الدولي .
وفي الختام
الأمر بلاء عظيم وجلل ، واختبار وابتلاء للنوايا وما تكنه الصدور من ريبة ، وتمحيص للصفوف ، وسنة الاستبدال قادمة لا محالة ، باقوام يحبهم الله ويحبونهم : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ) المائدة /54 .. وإلى حين ذلك ، فأن أمة اليهود سوف تواصل علوها في الأرض ، حتي تصل القمة التي شاء الله لها تبلغه فيأخذهم على حين غرة : ( حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) الأنعام /44 .
* هذا المطبوع
مجلة الوعي الإسلامي : العدد 222 جمادي الأخرة 1403 هجرية ( مارس/ أبريل 1983م ) صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت ، من مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق ( وقف مكتبة الشيخ عبدالله أحمد الخضري الأهلية ) يرحمه الله، المهداة للمركز .
طالع الحلقة السابقة (الأولى ) : هل تحفر الصهيونية قبرها مع التطبيع
صور : ( مدونة فلسطين ) ، ( الجزيرة ) ، ( الجزيرة ) ، ( البلد ) ، ( صوت الأمة )