بقية من أهل العلم (الحلقة الثانية والأخيرة )
العلامة المتجدد الذي رفض الجمود وتنقل بين البلدان بحثا عن العلم والتعلم
تراثنا – التحرير*:
العودة إلى الحق ، من صفات الشيخ المؤرخ عبدالعزيز الرشيد ، ولذلك فقد تراجع عن كثير من قناعاته المتشددة السابقة، بل أكد مواقفه الجديدة وانصافه للحق بنشراته ومشاركته في تأسيس أندية ومدارس تنصر التجديد المدعم بالاجتهاد الذي لا يحيد قيد انملة عن الكتاب والسنة ، وتمتع بالجرأة والصراحة في قول الحق ، مما أثار حفيظة البعض ضده والتأليب عليه .
الشيخ المؤرخ الرشيد
-
ناصر العلوم العصرية وأيد دخول البنات في التعليم وألف في دحض الآراء الفجة التي يتمسك بها الجهلاء بجرأة وصراحة بعد أن كان ينكر كروية الأرض وينفر من تعلم اللغات!
-
اتخذه الحاكم أحمد الجابر واعظا في مجلسه العام ومنعه من الذهاب للتدريس في البحرين حرصاً على وعظه وارشاده وجعله عوناً له في المجلس الأداري لتصريف أمور البلاد .
-
جُرح في حرب الجهراء ، وانتدب لأدارة المدرسة المباركية وساهم بانشاء المدرسة العامرية والأحمدية والنادي الأدبي واصدر مجلة الكويت والكويت والعراقي والكتب والنشرات .
آراؤه وأفكاره
تأثر عبدالعزيز الرشيد بالبيئة التي نبت فيها ونما. فانطبع بذلك الطابع، فكان يحرم مطالعة الجرائد والمجلات والكتب العصرية، لأنها في نظره تجمع من الأخبار ما ليس بصحيح ، وفيها من الآراء ما يعد معتنقيها من الزائغين ، ولم يكن ينفر منها فحسب بل كان ينفر الناس من اقتنائها وقراءتها ، كما كان يرى أن كثرة الاختلاط بالأغنياء لا تليق بأهل العلم، وكذلك كان ينفر من تعلم اللغات ، أما العلوم العصرية من طبيعة وجغرافية ونحوهما فكان راغباً عنها، لأن فيها نظريات مخالفة للدين ككروية الأرض وحركتها، وكون المطر بخاراً يتصاعد من الأرض، إلى عقائد أخرى، أعلن فيما بعد خطأه في الاعتقاد بها. وهو يعزو الفضل الأعظم في اتضاح الحق له في هذه الشؤون إلى أمور ثلاثة مطالعته الجرائد والمجلات، قراءة الكتب العصرية، رحلاته إلى بلدان مختلفة، واجتماعه بكثير من أهل الفضل وما دار بينه وبينهم من بحث في هذه المسائل.
دحض الآراء الفجة
وقد جعل همه بعد ذلك تأليف الكتب والرسائل في دحض الآراء الفجة التي لا يتمسك بها إلا الجهلاء ، وهو في مؤلفاته جريء يهوى الصراحة، حتى عد في بلده ناشزاً في بعض آرائه ومبادئه، وقامت في وجهه صيحات عالية بسبب ذلك.
وألف سنة (١٣٢٩هـ/ ١٩١١م) رسالة بعنوان «تحذير المسلمين» في الرد على الأستاذ معروف الرصافي قصيدته «التربية والأمهات»، لكنه كف من حدته على المرأة ، ورأى أخيراً وجوب خروج البنات إلى المدارس للتثقيف ، أما الحجاب فهو في رأيه لا يحول دون تعلم المرأة.
حياته العملية
كان عضواً في الجمعية الخيرية التي تأسست في الكويت سنة ( ١٣٣١هـ/ ١٩١٢) ،م وكان يتذاكر في ناديها مع إخوانه في الفقه والعقائد وعلوم الآلة، وانتدب سنة (١٣٣٦هـ/ ١٩١٧م ) لإدارة المدرسة المباركية، وزاول الإدارة والتعليم زهاء سنتين.
واعظ أحمد الجابر
وبعد أن ترك العمل في هذه المدرسة أنشأ مع بعض المعلمين مدرسة جديدة عُرفت باسم (المدرسة العامرية) ، ولكنه لم يعلم فيها لأنه انصرف إلى التجارة حتى رأى الشيخ أحمد الجابر، ولي عهد الإمارة إذ ذاك «سمو الأمير الأسبق رحمه الله » أن يتخذ له واعظاً في مجلسه العام فأسند هذه الوظيفة له.
شارك في حرب الجهراء
وحينما وقعت حادثة الجهرة في محرم سنة( ١٣٢٩هـ/ ١٩٢٠م ) شهد المترجم عنه هذه المعركة، بنفسه، وجرح فيها. وطلب بعدها للذهاب للتدريس في البحرين، لكن سمو الأمير وبعض وجوه البلد لم يدعوه يذهب حرصاً على وعظه وإرشاده، وحينما تولى سمو الشيخ أحمد الصباح ” يرحمه الله ” الإمارة وألف المجلس الإداري ليكون عوناً للأمير في إدارة البلاد كان المترجم عنه أحد أعضائه.
وسعى سنة ١٣٤٠هـ/ ١٩٢١م في تأسيس المدرسة الأحمدية، واشتغل في التعليم فيها وعمل مع العاملين في تأسيس النادي الأدبي سنة ١٣٤٢هـ/ ١٩٢٣م وألقى فيه أول محاضرة وكان موضوعها (الخطابة).
أخلاقه وميزاته
هو مثال للتواضع ومعرفة النفس يتكلم بهدوء ووقار، فيستولي على جليسه بلطفه وحيائه الصادق. لم يعتد التدخين وهو يلهو بمطالعة الكتب على أنواعها، لا يقرب الروايات ، وإذا خلا إلى نفسه انصرف إلى قلمه وقرطاسه وكتابه.
كان أول أمره يلبس ما يلبسه الرجال في بلده من العباءة والكوفيه والعقال.، وكان طلبة العلم يضعون العمامة فوق الكوفية، فخرق هذه العادة ولبس الجبة والعمامة الصغيرة.
مؤلفاته
١ – «تاريخ الكويت»، في جزأين، طبع بغداد.
٢ – «تحذير المسلمين» طبع بغداد، ألفها بإشراف أستاذه الآلوسي وإغرائه، في تفنيد الرصافي التي مطلعها:
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات
٣ – محاورة إصلاحية، وضعها لطلاب المدرسة الأحمدية سنة ١٣٤٢هـ/ ١٩٢٣م.
٤ – «دلائل البينات في حكم تعليم اللغات»، طبعت بمطبعة المنار، وفيها دحض لحجج المنكرين لتعليم اللغات الأجنبية.
وله مؤلفات مخطوطات هي:
١ – «تحقيق الطلب في رد تحفة العرب» رد بها على القادياني، مسيح الهند وأتباعه.
٢ – رد على كتاب ابن عقيل الحضرمي (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية) لتحرشه بأفاضل الصحابة أئمة الحديث.
٣ – «الهيئة والإسلام» حشد فيها كثيراً من البراهين على ما تعتقده العامة مخالفاً للدين، ككروية الأرض وحركتها.
وقد نشر بضع مقالات في جرائد بغداد ومجلاتها، ومجلة الهلال، وجريدة الشورى في مصر، وأصدر مجلة اسمها (الكويت) تطبع في مصر، وفي جاوة، واشترك مع السائح العراقي يونس بحري في إصدار مجلة عربية هناك اسمها «الكويت والعراقي»..
المصدر: مجلة البعثة المصورة (مج١، ص٢٦٥).
*د . محمد بن إبراهيم الشيباني رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
-– الدراسة منتقاة من مجلة تراثنا العدد 76 الصادر لشهري ديسمبر / يناير 2021 م .
طالع الحلقة السابقة ( الثانية ) : وقفات مع المؤرخ عبدالعزيز الرشيد