النصيحة للولاة عندعلماء السلطان .. جور وتطاول !!
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
أهدى إلي أحد طلبة العلم الشرعي كتاباً قد حققه تحت عنوان (الفوائد السنية على السياسة الشرعية ) لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني .
نقل الشيخ فيها ما أخرجه الأمام مسلم في كتابه الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، :” ما من راع يسترعية الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله سبحانه وتعالى عليه رائحة الجنة ” .
-
العلامةبن عثيمين : من مدح السطان وكان المدح له بحق ، فلا بأس ، فهذا يؤيده فيما هو عليه من الحق ..أما إذا كان بالباطل والتزلف فهو مسؤول عن كلامه يوم القيامة .
-
الشيخ العبيكان : السلطان مثل الأجير لهذه الأمة ، كلهم أستأجروه للقيام بهذا العمل ، وعليه أن يؤديه على الوجه الأكمل ليستحق أجرته وإلا أثم لتفريطه وتقصيره .
الوالي بين الأجر والعقوبة
ثم ذكر دخول أبي مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال : ” السلام عليك أيها الأجير ، فقالوا : قل : السلام عليك أيها الأمير ، فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقالوا .. ثلاث مرات، وهو يردد : أيها الأجير ،و هم يقولون قل أيها الأمير !
فقال معاوية ، دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول ، فقال : أنما أنت أجير أستأجرك رب هذه الغنم لرعايتها ، فإن أنت هنأت جرباها ، وداويت مرضاها ، وحبست أولاها على أخراها ، وفاك سيدها أجرك ، وإن أنت لم تهنأ جرباها ، ولم تداو مرضاها ، ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها .
التقصير والتفريط
قال الشيخ عبدالمحس العبيكان: ” أنت مثل الأجير لهذه الأمة ، كأنهم استأجروك للقيام بهذا العمل ، فيجب عليك أن تؤدي العمل على الوجه الأكمل لتستحق أجرتك ، وإلا أثمت على التقصير والتفريط ، فالوالي ليس له التصرف بمحض الهوى والشهوة بل بحسب المصلحة” .
ليس جفاء
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين- يرحمه الله :” أبو مسلم الخولاني جريء ، و لا يعد هذا جفاء منه على الولاة ، إذ الولاة في وقتهم يتحملون مثل هذا ، يرون في هذا مصلحة لهم ، حيث يقول لهم الناصح أمام الناس مثل هذا الكلام ، وهم صابرون وموافقون عليه ، وقال : ” من مدح السطان وكان المدح له بحق ،فلا بأس ، فهذا يؤيده فيما هو عليه من الحق ، ويشجعه عليه ، ويوجب له أن يخجل من مخالفة الحق ، أما إذا كان بالباطل والتزلف لدى الحكام ، فهو مسؤول عن كلامه يوم القيامة ” !
النصح في السر والعلن
أردت عزيزي القاريء أن أشركك معي في بعض فوائد الكتاب وفي بيان ماكان عليه الأوائل من قبول النصح في السر والعلن بين الراعي والرعية ، وأن ذلك ليس من الخطأ أو المجافاة ، أو عدم شرعية ذلك ، ففيه النصح على المستويات كافة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، التي تدفع بالدولة إلى الأمام والريادة والبركة من الله سبحانه وهو ماقاله العلامة بن عثيمين .
الوالي وعلماء السلطان
ولكن في أيامنا هذه ، عز ذلك وفقد ، ومن حاول أن ينصح ويخلص في نصيحته لأي كائن كائن في الدولة ، عد من التجاوز وقلة الاحترام والتقدير والتطاول ،و يؤيد ذلكم علماء السلطان ، سواء القريبون منه ، أوخارج دائرته ، يخطئون غيره في ذلك ، بل يرون ذك من الإهانة للسطان ، وعدم التأدب معه !
فانظر كيف كان الأوائل بالأمس فيما بين الراعي ورعيته ، وكيف صرنا اليوم وسلاطيننا إلا من رحم !
والله المستعان ..
(*) رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا
نقلا عن تراثنا العدد 83
أضغط الغلاف للمزيد