بهاء الدين بن شداد يوثق شهادته للتاريخ
تراثنا – التحرير : حظي السلطان المظفر صلاح الدين الأيوبي باهتمام بالغ من المؤرخين ، فمنهم من انصفه ، ووقف منه موقف العدل المتزن ، ومنهم تجنى عليه ، وبالغ في التعدي واستند على مرويات مغرضة ، واخرون اجزلوا الثناء عليه وبالغوا .
في السطور التالية ، نقتبس من مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق ، من كتاب ( النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ) لكاتبه بهاء الدين بن شداد ، ومحققه د .جمال الدين الشيال ( الطبعة الأولي 1964م – الدار المصرية للتأليف والترجمة ) وهو من وثائق المركز لندرة طبعته .
وفقاً لما جاء في مقدمة محققه د . جمال الدين الشيال ، يمكن اعتبار بهاء الدين بن شداد مدون المادة التاريخية للكتاب بمثابة اليد اليمني للسلطان صلاح الدين الأيوبي ، ومؤرخ احداث عصره ، بل ومشارك في كثير من المعارك والحروب الطاحنة مع الصليبين وغيرهم ، وكما يقال فأنه يعد ( شاهدا على العصر ) ومشارك في اتخاذ القرار ، بل هو واعظ السلطان المقرب منه ، ومحفز الهمم في الجهاد .
ولعه بالجهاد
ويصف بن شداد ولع السلطان صلاح الدين بالجهاد فيقول : ” لقد كان رحمه الله شديد المواظبة عليه ، عظيم الاهتمام به ، ولو حلف حالف أنه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد ديناراً ولا درهماً إلا في الجهاد او في الإرفاد ، لصدق وبر في يمينه ” .
وقال ” : كان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد ، أن يذكر شيئا من أخبار الجهاد ، وقد ألف له كتب عدة في الجهاد ، وأنا ممن جمع له فيه 14 كتابا ً، جمعت فيه آدابه وكل آية وردت فيه وكل حديث روى من فضله ، وشرحت غريبها ، وكان – رحمه الله – كثيراً ما يطالعه حتى أخذه ولده الملك الأفضل ، عز نصره “.
ويصف بن شداد السلطان صلاح الدين بالكرم السخي : ” فكان يعطي فوق ما يؤمل الطالب ، فما سمعته قط يقول : “أعطينا لفلان ” وكان يعطي الكثير ،ويبسط وجهه للعطاء بسطة لمن يعطه شيئا ” .وأما تعداد عطاياه وتعداد صنوفها فلا تطمع فيها حقيقة أصلا ، وقد سمعت من صاحب ديوانه يقول لي : ” قد تجارينا عطاياه ، فحصرنا عدد ما وهب من الخيل بمرج عكا لا غير، فكان عشرة آلاف فرس ” . ومن شاهد عطاياه يستقل هذا القدر .
ذكرى فتح صفد
ويذكر بن شداد في الواقعة التي قصد بها السلطان صلاح الدين فتح صفد ، شدة تأثره باحاديث الترغيب بالجهاد في سبيل الله التي تزيد عزيمته القتالية ، فيشير إلى أنه ذكره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :”عينان لا تمسهما النار ، عين باتت تحرس في سبيل الله ، وعين بكت من خشية ألله ” .
-
من شدة شغف صلاح الدين بالجهاد ألف واعظه بن شداد 14 كتابا ًعن الجهاد جمع فيه آدابه وفضائله .
-
قال صاحب ديوانه عن عطاياه : حصرنا عدد ما وهب من الخيل بمرج عكا لا غير ..فكان عشرة آلاف فرس !
-
ذكره ابن شداد بالحديث “عينان لا تمسهما النار” فنصب المجانيق وفتح صفد في نفس اليوم !
-
هرب فرس من مركب للفرنجة ووقع في البحر ، ومازال يسبح حتى دخل مينا عكا وأخذه المسلمون !
وذلك ما حفز السلطان على مواصلة القتال في صفد بالنوب مع الصوم ، حتى سلمت بالأمان في رابع عشر شوال من السنة المذكورة ، وكان قد أمر في تلك الليلة قبل المعركة بتعيين مواضع لخمسة مناجيق تنصب ، وقال : ما ننام حتي تنصب الخمسة .
نوادر معركة عكا
من النوادر يذكرها بن شداد في سجل مدوناته التاريخية ، معركة دامت بين المسلمين والفرنجة في مشارف عكا وطالت بينهما فترة طويلة : ” وما يخلو يوم من قتل وجرح وسبي ونهب “.
-
لطول المعاشرة بين المتحاربين , فكانا يتركان القتال ، وربما غني البعض ورقص البعض ، ثم يرجعون إلى القتال !
قتل وذبح ودق ورقص
والطريف في هذه المعركة ان بن شداد يصف حصول التآلف بين الافراد المتقاتلين بين الطرفين فيقول : ” وأنس البعض بالبعض بحيث ان كانت الطائفتان تتحدثان وتتركان القتال ، وربما غني البعض ورقص البعض ، لطول المعاشرة ، ثم يرجعون إلى القتال بعد ساعة ” !
ومن نوادر وطرائف هذه المعركة : ” أنه كان الرجال يوما من الطائفتين قد سئموا القتال فقالوا : ” إلى كم يتقاتل الكبار ، وليس للصغار حظ ، نريد ان يصطرع صبيان : صبي منا وصبي منكم ” !
ويستطرد ابن شداد : ” فأخرج صبيان من البلد إلى صبيين من الافرنج ، واشتد الحرب بين الصبيان ، فوثب أحد الصبيين المسلمين إلى أحد الصبيين الكافرين ،فاختطفه وضرب به الأرض ، وقبضه أسيراً ، واشتد به ليأخذه ، فاشتراه بعض الإفرنج بدينارين ، وقالوا : ” هو أسيرك حقا ، فأخذ الدينارين وأطلقه ، وهذه من نوادر القتال ” .
يُذكر ان بن شداد مشارك في عمليات ساحة معركة فتح عكا:” وكنت ممن دخل ، ورقى على السور، ورمى على العدو ،بما يسر الله تعالى من فوق السور”.
فرار الخيل سباحة
ومما دونه من نوادر احداث فتح عكا : ” ووصل للفرنج مركب فيه خيل ، فهرب منها فرس ووقع في البحر ، ومازال يسبح وهم حوله يردونه حتي دخل مينا عكا ،وأخذه المسلمون ” !
الكتاب في مجمله حافل بالدقائق وتفاصيل المعارك التي دارت مع الفرنجة (الصليبين ) موثقة بالتاريخ وبنوادر ما صاحبها من أحداث ومفاوضات وخلافه .
كتاب النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية من الحجم الوسط ، ويقع في 273 صفحة ، تتضمن الفهارس والتصويبات والملاحق .
تواصل معنا
زيارة الصفحة الرئيسة ( تراثنا )
حساب ( تراثنا ) على منصة تويتر
مجلة ( تراثنا ) الورقية
الموقع الالكتروني لمركز المخطوطات والتراث والوثائق
• لا تتوفر تراثنا حاليا في الاسواق وإنما عن طريق الاشتراك ..
التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء ادناه
هواتف المركز : 25320902- 25320900/ 965 +