الحلقة (24)
تدوين الحديث النبوي الشريف
تراثنا – التحرير :
تواصل تراثنا استعراض جهود علماء الحديث في البلاد والأمصار السائرون على نهج من سبقهم في القرون السابقة في الذب عن السُنة النبوية وصونها ،من علماء السلف رضوان الله عليهم اجمعين.
وفي هذه الحلقة (24) نستكمل سلسلة حلقات كتاب ” تدوين الحديث النبوي في أربعة عشر قرناً ”من إصدارات مركز المخطوطات والتراث والوثائق ، حيث نواصل استعراض جهود العلماء في القرن الرابع العشر الهجري في الذب عن السنة النبوية الشريفة ( الحلقات كاملة ) .
-
وقف أبو زيد على النوع الخامس والتسعون في كتابيه “معرفة الصحف الحديثية “معرفة ما لا يصح فيه حديث”.
-
استحدث تفريع مستقل مبني على معرفة النُسخ والصحف الحديثية لمتون ينتظمها إسناد واحد ويجمعها صعيد واحد.
-
ألف في تحريف النصوص وطبقات النسابة و أدب الطالب وغيرها من العلوم الحديثية.
ومن الذابين عن الحديث انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ـ بل زاد عليه علمين ـ الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد – يرحمه الله – في كتبه ورسائله المتعددة العلوم والفنون، فقد ألف في «تحريف النصوص ..» وألف في «طبقات النسابة» و«أدب طالب العلم» و«التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث» و«معرفة النسخ والصحف الحديثة» .
النوع الخامس والتسعون
وفي هذين الكتابين الأخيرين يقول في كتاب: «التحديث بما قيل …»: وإذ وقف السيوطي رحمه الله تعالى في «تدريب الراوي» على النوع الثالث والتسعين، وقد تم ـ والحمد لله ـ إخراج النوع الرابع والتسعين: (معرفة الصُحُف الحديثية)؛ فهذا النوع ـ (معرفة ما لا يصح فيه حديث) هو النوع الخامس والتسعون في مشروع (مدِّ علوم الحديث)، والحمد لله رب العالمين.
النسخ الحديثية
يقول في الكتاب الأول: فإن معرفة النُّسخ والصحف الحديثية الشاملة لمتون أحاديث قد تصل كثرة إلى المئين، ينتظمها إسنادٌ واحد، وجمعها في صعيد واحد، ومعرفة منزلتها وكيفية الرواية لها ومنها: حقيقٌ أن يكون نوعاً مستقلاً من أنواع علوم الحديث، لأنه يمثل مصدراً أساساً لتدوين السنة من جهة الصحابة رضي الله عنهم في جملة ما كتبوه مما حفظوه بالتلقي والمشافهة عن النبي واكتسب اسم صحف الصحابة الحديثية .
نسخ التابعين
ثم لسلوك هذه الجادة من رواة التابعين، فكما كانت هذه النسخ والصحف في غرة محفوظاتهم ومدوناتهم؛ فقد رسمت لهم طريقاً من طرق الرواية، فيسمعُ التابعون جملة وافرة من الأحاديث عن صحابي عن رسول الله ، فيرويها ويكتبها نسخة واحدة على نسق واحد، فكانت نسخ التابعين.
عصور الرواية
وهكذا استمرت الرواية في عصور الرواية لها، لدى نقلة العلم النبوي، جادة مشهورة منتشرة؛ كما قال الخطيب البغدادي (ت463هـ) رحمه الله في (الكفاية): «لأصحاب الحديث نسخ مشهورة، كل نسخة منها تشتمل على أحاديث كثيرة، يذكر الراوي إسناد النسخة في المتن الأول منها، ثم يقول فيما بعده: بإسناده … إلى آخرها» انتهى .
كتب الرواية المسندة
ثم انتقلت هذه النسخ بسلاسل أسانيدها ومتونها إلى كتب الرواية المسندة الجامعة؛ من المساند، والمجامع، والجوامع، وغيرها؛ كـ«مسند الإمام أحمد»، والصحيحين … يراها الناظر بأسانيدها ومتونها مسوقة في مكان واحد، أو مفرقة، مثل: «الصحيفة الصادقة»، و«الصحيفة الصحيحة»، و«صحيفة علي رضي الله عنه»، و” صحيفة جابر رضي الله عنه “.
بالإضافة إلى ذلك توجد مخطوطته على إفرادها بمتنها وإسنادها في عدد من مكتبات العالم؛ كما في فهارسها الكاشفة عن موجوداتها، وقد طبع بعض منها؛ مثل :
– صحيفة همام .
– نسخة عبدالعزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة.
– نسخة وكيع .
– نسخة نُبيط بن شريط
– نسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
علم الأولين والآخرين
ولقد جمع د. بكر في كتابه هذا علم الأولين والآخرين ولم يترك في التاريخ شاردة ولا واردة في علم معرفة النسخ والصحف الحديثية إلا أتى عليها بالبحث والدراسة والنقد، بل جهود المعاصرين في معرفة النسخ والصحف الحديثية وأسماء رواة النسخ والصحف الحديثية على وفق الحروف الهجائية والكتاب فيه عمق وغوص في تاريخ هذه المادة وتمرحلها طيلة القرون إلى يومنا.
التحديث بما قيل
أما كتابه الآخر «التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث» وهو ما عرفه في مقدمته: فإن التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث ـ وحقيقته: ما روي فيه حديثٌ من وجه أو وجوه، ولا يصح منها شيءٌ ـ هو نوع شريف من علوم الحديث، افترعه الحفاظ الجامعون، وأئمة الأثر البارعون، المشهود لهم بالاستقراء والإحاطة، والاطلاع المدهش، والبصيرة النافذة …
ولقد اعتاد العلماء على التعبير عن هذا النوع من علوم الحديث بكلمات كلية جامعة، مثل قولهم: «لا يصح في هذا الباب حديث»، «لا يصح في هذا الباب شيء»، «لا يصح في هذا شيء»، «لا يصح في هذا شيء عن النبي » .. إلخ.
القواعد والكليات
وختم مقدمة كتابه «التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث» قوله: وداعي الخير إلى هذا أن تلكم القواعد والكليات الجامعة تقصر للناظر الجادة، إذ العلم طويل المادة، والعمر قصير المدة، وتدفعه إلى التحصيل؛ فإن النفس إذا وجدت حلاة القليل؛ دعاها ذلك إلى الكثير، وإذا عرف المطالع أن هذا الباب باستقراء الحفاظ لا يصح فيه شيءٌ؛ سلم من تلبيسات الوضاعين، واستطاع أن ينافح عن سنة سيد المرسلين.
ويكفي أنه من مكونات علوم الأكابر المسلم بها عند الغابر والحاضر.
ومن هذا العرض يتاح للبصراء بجلاء أهمية هذا الباب من أبواب العلم، وأنه حقيق أن يكون نوعاً من أنواع علوم الحديث، لقبه: (معرفة ما لا يصح فيه حديث).
يتبع لاحقاً
تواصل مع تراثنا