شخصيات كويتية
غرست أياديها البيضاء بذور المحبة فأزهرت مودة في قلوب المحيطين بها
تراثنا – التحرير :
أهدى الباحث والإعلامي د.سعود عويض سعود الديحاني مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق انتاجه القيم التوثيقي ( موضي عبد العزيز العتيقي ..أول مدرسة كويتية في الفحيحيل ) يأتي ذلك في اطار التبادل الثقافي والمعرفي بين الجهات البحثية ذات الاهتمام المشترك .
ويأتي أهمية الاهداء ، من حيث انه يوثق مسيرة حياة نضالية للسيدة موضي العتيقي في مجال رسالة التعليم والمجال الإنساني ، جسدت خلاله انموذجا صادقا لمعاني المثابرة في الحقل التربوي ، والعطاء في المجال الإنساني ، ودعم الصمود الكويتي أيام الإحتلال ، ومساندة مقاومة العدو الصهيوني ، مما يستحق ان تفرد له تراثنا القدر المناسب الذي يمثل إلهاما للكثيرين ، وحافزا لهم للعطاء ، رغم العوائق والمحبطات .
موضي عبد العزيز العتيقي
-
ولدت موضي في بيت نبغ فيه العلماء ببلدة المجمعة بسدير، ونشأت تواقة للعلم منذ نعومة أظافرها .
-
كلف والدها الشيخ عبدالعزيز بأنشاء أول مدرسة تنظيمية في البحرين وكان عضوا في لجنة اتفاقية تسليم جدة بعد ان فتحها ابن سعود .
-
اصبح والدها ناظرا لمدرسة في الفحيحيل فكانت أول طفلة تتلقى العلم بين أولاد متفوقة عليهم .
-
جمعت بين التعلم في المدارس النظامية في الفحيحيل والتلقي على يد الملاية بدرية العتيقي في الكتاتيب !
-
أصبحت أول مدرسة كويتية في الفحيحيل ثم ناظرة، فأحبتها الطالبات لمودتها ومراعاتها لهن والمدرسات لتعايشها مع ظروفهن.
-
عملت بروح القانون لا النص حينما سمحت لطالبات ” بدون ” راسبات بالاستمرار في الدراسة رغم قرار المعارف بفصلهن .
-
حملت الميكروفون وجالت شوارع الأحمدي بسيارتها تحث المواطنين على التبرع دعما للجهاد الفلسطيني في حرب 1967.
-
تركت استكمال دراسة الماجستير في الأزهر وانضمت إلى لجنة الإعاشة في مصر لدعم لدعم تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
النشأة
يمهد الكاتب والباحث د . سعود الديحاني لأرضية بحثه بتقديم نبذة مهمة عن بيئة نشأة السيدة موضي ، فيشير إلى ولادة موضي عبد العزيز محمد العتيقي عام 1352 هجرية ( 1933 م ) في بيت نبغ فيه كثير من العلماء ” يرحمهم الله ” الذين كان لهم الدور المشهود في نشر العلم الشرعي ، حيث كان والدها الشيخ عبدالعزيز العتيقي أحد أقطاب العلم والتربية في الخليج ، وله الأثر البارز في مسيرة موضي العلمية والعملية ..
وقفة مع الوالد
ويستطر قائلا : وُلد والد موضي الشيخ عبدالعزيز سنة 1300 هجرية ( 1882 م ) في بلدة المجمعة ، عاصمة أقليم سدير ، وتربى في بيت علم ودين ، حيث ورث العلم على يد جده لأمه الشيخ إبراهيم محمد العتيقي ” يرحمه الله ” قاضي المجمعة وأحد علمائها في زمانه .
وكان الشيخ عبدالعزيز ” يرحمه الله ” تواق للعلم ، فأخذ يتنقل بعد تعليمه على يد جده بين البلدان، والتقى المشايخ والعلماء ، فتنقل بين الكويت والأحساء والبحرين .
اعمال قام بها الوالد
وهنا نورد ملخصا لأهم ما تقلده والدها الشيخ عبد العزيز :
– كلف في البحرين بالإشراف على المعارف لمدة أربعة سنوات ، ويعود له الفضل – بعد الله – في وضع النظام الأساسي لأول مدرسة عصرية في البحرين والخليج .
– كانت له رحلات دعوية في الشرق الأقصى بين ملاوي واندونيسيا والهند .
– شارك في لجنة تسليم جدة بعد أن فتحها الملك عبدالعزيز آل سعود ، وتنفيذ اتفاق التسليم سنة 1344 هجرية .
– عمل مساعدا ونائباً للأمير فيصل بن عبدالعزيز حاكم مكة والحجاز .
– كان عضواً في مجلس الشورى للهيئة التأسيسية لتنظيم أسس حكم الحجاز.
– عمل متطوعاً في التعليم الأهلي في المجمعة وتتلمذ على يديه الكثير من علمائها ,
– عاد إلى الكويت ، حيث درس في مدرسة المباركية ، وأصبح ناظراً للمدرسة القبلية ، كما أصبح أول ناظر لمدرسة نظامية أنشأت في الفحيحيل عام 1949 م حتي 1958 م ، حيث كان التعليم المتعارف عليه ينقسم إلى ثلاث مراحل دراسية ، وتتميز الدراسة بفترتين صباحية ومسائية ، وبعد انتهاء المراحل الثلاث تحل العطلة الصيفية.
موضي الطفلة
يوضح د. الديحاني هذه الحقبة ومجرياتها حيث يشير إلى أنها بمثابة البيئة العلمية الحاضنة للسيدة موضي العتيقي ، حيث كانت ترافق والدها ” يرحمه الله ” وهي طفلة ، في عمر خمس سنوات إلى المدرسة القبلية التي كان ناظراً لها ، فألحقها بالصف الأول لكي تتعلم وتستفيد ،رغم أنها البنت الوحيدة في الفصل ، وحصلت على شهادة الصف الثالث بتفوق بعد اجتياز المراحل الثلاث.
موضي والملاَّية
وينوه الباحث د.الديحاني إلى تأثير التعليم التقليدي( الكتاتيب) على شخصية موضي ، مشيرا إلى أن والدها الشيخ عبدالعزيز كان يستغل العطلة الصيفية ويلحقها بمدرسة الملاية بدرية العتيقي ” يرحمها الله ” ، في فريج الشاوي في القبلة ، وفق نظام الكتاتيب ، حيث تميزت الملاية بدرية عن سواها – بالإضافة إلى تعليم القراءة والكتابة – بتعليم القرآن والحساب وبعض فنون اللغة العربية ، وتدريب البنات على الحياكة والتطريز ، وتنظيم الرحلات (الكشتة).
تميزها على أقرانها
وفي عام 1937- 1938 م انتقلت موضي إلى أول مدرسة بنات أفتحتها الدولة ، عُرفت باسم ” المدرسة الوسطي ” ، وضمت ثلاثة فصول دراسية ، غير ان تقدم المستوى العلمي لموضي رغم صغرها ، دفع ادارة المدرسة إلى وضعها في الشعبة الثالثة التي تناسب عمرها .
ويلمح الباحث د .الديحاني إلى استفادة موضي من مكتبة والدها الزاخرة بعلوم الأدب والتاريخ واللغة ، فقضت أوقاتها بينها ، تزخر مما فيها ، خاصة وانها محبة للقراءة .
وفي هذه المرحلة التعليمية ( المتوسطة ) أصيبت والدتها بمرض عضال ، أقعد موضي عن الدراسة لترعى شؤون أسرتها ، ما اضطرها إلى ترك الدراسة ، وتزامن ذلك مع تداعيات الحرب العالمية ، حيث لقيت والدتها وجه ربها في المستشفى الأمريكاني في أواخر عام 1949 م ” يرحمها الله “.
موضي المعلمة
ويواكب الكاتب تطورات الأحداث حيث يوضح أنه وفي نفس العام 1949 م ، انتقل والدها الشيخ عبدالعزيز العتيقي مع أسرته إلى قرية الفحيحيل للأشراف على مدرسة ” عثمان بن عفان ” التي أنشأتها المعارف هناك حديثاً، وعٌين أبنه محمد مدرسا في المدرسة نفسها ، وعندما أرادت المعارف افتتاح مدرسة للبنات في الفحيحيل ، أشترط اهل المنطقة التي يحظى الشيخ بمودة ومكانة لديهم أن تتولى أبنته موضى التعليم فيها ، فكان ذلك بعد اجتيازها الاختبار ، ، فكان عام 1951 م هو أول عام لمدرسة البنات هناك، وكانت هي أول معلمة كويتية فيها ،، تقاسمت التدريس مع المدرسة سميحة الحاج أبراهيم ، المبعوثة من فلسطين . .
والناظرة
وتوالت السنون وتراكمت الخبرات التعليمية من واقع الدورات والأنشطة الثقافية والاجتماعية لدى موضى العتيقي ” يرحمها الله ” وتنقلها بين المدارس والمراحل المختلفة ، وتقلدها منصب ناظرة في بعض مدارسها، وهو ما فصله الباحث سعود الديحاني بدقة في كتابه الموثق بالصور والشهادات والمعلومات مقرونة بالتواريخ والأزمنة .
الفحيحيل القديمة
ولا يغفل الباحث د .الديحاني عن إعطاء فكرة عن طبيعة البيئة الاجتماعية التي عاشتها موضي في الفحيحيل ، حيث ينوه إلى معاصرتها بيوت الفحيحيل الطينية ، والنقعة التي ترسو بها سفن الأخشاب في المنطقة ، والمزارع والبساتين ، وآبار المياه العذبة التي كان يشرب منها الناس ، كما شهدت ” بحرة الفحيحيل ” التي كانت تسيل وقت المطر كالنهر الجاري ،منوها أن اهم الأحداث التي شهدتها السيدة موضي تمثلت بالأضرار التي ألحقتها ( الهدامة ) بأمطارها الكثيفة المتتالية لأيام عدة على الفحيحيل ، وغطت الكويت ومناطقها.
الجانب الأنساني
يتوقف د. الديحاني عند الدور الإنساني اللافت في شخصية السيدة موضي ، حيث يبرز ويتجلى في أواخر السبيعينيات حين اصدرت وزارة التربية أنظمة تحول دون التحاق أبناء ( البدون ) ممن لا يحملون وثيقة انتماء للكويت او غيرها ، بالتعليم العام الحكومي ، وإذا رسب الطالب لا يسمح له بإعادة السنة الدراسية ، فما كان من موضي إلا أن اتخذت قراراً بان لا ترفع أسماء الطالبات الراسبات من أبناء فئة ( البدون ) إلى الوزارة ، بل كانت تضع اسماءهن في كشوف الناجحات ، ولكنها بعد ذلك ترجعهن إلى السنة التي رسبن فيها مرة أخرى ، وكانت تبلغ أولياء الأمور بتصرفها لكي لا تختلط الأمور ، ليجتهدوا في تدريس ابناءهم للتحقيق النجاح .. فعملت بروح القانون لا نصه .
المودة واللين
وعُهد عنها ” يرحمها الله ” انتهاجها الرفق واللين والنصح والتوجيه في معالجة الأمور ، ولم تلجأ إلى العقاب إلا في الحالات القصوى ، ورغم ذلك لم تكن تتهاون مع ظاهرة الغياب والانقطاع لدى المدرسات او الطالبات ، لما له من ضرر على تحصيل الطالبات ، تجدر الإشارة ان العلاقة بين موضي والمعلمات لم تكن علاقة عمل ، بل كانت اخت لهن في داخل المدرسة وخارجها ، وتشاركهن الأفراح والأحزان .
دعم نضال القضية الفلسطينية
وهنا يشير الكاتب د. الديحاني إلى انتقال السيدة موضي إلى منطقة الأحمدي لتكون قريبة من مقر عملها في عقد الستينيات ، حيث تتميز بحدائقها ومرابعها وساحاتها الخضراء ، ويسكنها أناس من جميع الجنسيات العربية والأوربية والآسيوية ، وهو مكون يختلف عن منطقة الفحيحيل .
وينوه إلى أنه في تلك الحقبة من عام 1968 م وحين دارت الحرب ضد العدو الصهيوني ، قامت السيدة موضي بحملة لجمع التبرعات لدعم النضال الفلسطيني ، فتقضي وقت الصباح في عملها في المدرسة بالأحمدي ، وبعد انتهاء العمل ، تنطلق في جولة بسيارتها مع زميلتها سميرة الكيالي “يرحمهما الله ” ، التي تمسك لها الميكرفون ، لحث الناس على التبرع ومساعدة إخوانهم المجاهدين في فلسطين، بصفته واجب شرعي ، وتأخذان ما تم جمعه من التبرعات إلى جمعية المعلمين بالدسمة، التي تتكفل بدورها في إيصاله لدعم صمود الشعب الفلسطيني .
مواصلة التعليم
ويوضح الكاتب ان السيدة العتيقي رغبة في الاستزادة بالعلم والارتقاء – توقف مشوارها التعليمي عند المرحلة المتوسطة -رغم تقلدها منصب ناظرة – فقد عادت إلى مقاعد الدراسة لتكمل المرحلة الثانوية عام 1972 م ، والتحقت بعدها بجامعة الأزهر عام 1980 م حيث تخصصت في ” الفقه المقارن ” ، وعادت إلى الكويت بعد حصولها على الشهادة الجامعية الأزهرية ، حيث عينت استاذة لمادة الفقه في المعهد الديني في الفحيحيل عام 1985 .
الدراسات العليا
ومن جديد، يشير د.الديحاني إلى عودتها إلى الأزهر لاجتياز الماجستير ، حيث اختارت موضوع ” مواطن الاختلاف الفقهية بين الفرق الإسلامية ” ولقيت اشادة وتقدير على مادة الموضوع من المشرفين على دراستها ، ولكنها لم تكمل الدراسة بسبب وقوع محنة الغزو العراقي للكويت عام 1990 م ، فالتحقت بالعمل التطوعي بكل اشكاله لدعم تحرير الكويت ومساعدة الشعب المشرد ، فعملت في السفارة الكويتية بالقاهرة ضمن لجنة الإعاشة لرعاية الكويتيين داخل مصر ، كما عملت مدة بالمدرسة الكويتية التي افتتحت لطلبة الكويت في مصر .
عودة الشرعية و استدال الستار
بعد تحرير الكويت وعودة القيادة الشرعية لها ، كان للسيدة موضي العتيقي ” يرحمها الله ” أدوار عديدة مع اخوانها من الموطنين والمواطنات في إعادة بناء الكويت وترميم ما تم هدمه ، نشرها الكاتب د. سعود الديحاني ووثقها بشكل تفصيلي ومسهب رائع ، يمكن الرجوع إليه ، للوقوف بتوسع على نضال هذه السيدة في فترة حرجة وصعبة ..وقد اسدل الستار على مسيرتها العطرة بانتقالها الى الرفيق الأعلى في شهر إبريل من عام 2015 م ، فرحمة الله عليها واسكنها فسيح جناته ومن صنع صنيعها بتفريج كرب الناس والتسامح والتيسير عليهم بإذنه تعالى .
كاتب وكتاب
يقع كتاب (موضي عبدالعزيز العتيقي ..أول مدرسة كويتية في الفحيحيل ) للمؤلف سعود عويض سعود الديحاني في 179 صفحة من الحجم الوسط ، طُيع ( الطبعة الأولى عام 1436 هجرية – 2015 م ) .
أقرأ أيضا :
- عبدالله عبداللطيف العثمان : إضاءة أمل في ليل المساكين
- سطور عن أسرة بوراشد في فريج العثمان ..
تواصل مع تراثنا