الحلقة (1)
يُكف أذى شياطين الانس بالمدارة ولا يُكف شيطان الجن إلا بالتعوذ بالله منه
تراثنا – التحرير :
انفرد الحافظ ابن كثير700 -774 ” يرحمه الله ” عن غيره بتفسير القرآن بالأثر ، وجمع الآيات التي تدل على المعني المراد من الآية المفسرة او تؤيده أو تقويه وترجحه٠.. وتتوقف ” تراثنا ” مع بعض تلك الآيات وتفسيرها من كتابه (عمدة التفسير )..
التعوذ من الشيطان الرجيم
ومعنى ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) – أي : أستجير بجناب الله من الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمر به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه .
فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ، ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى .
وأمر بالاستعاذة من شيطان الجن ، لأنه لا يقبل رشوة ، ولا يؤثر فيه جميل ، لأنه شرير بالطبع ، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه .
وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن الكريم لا أعلم لهن رابعة (1) .
اشتقاقات مفردة”شيطان ”
– مشتق من ” شيطن ” إذ بعد ، بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير .
– وقيل اشتق من ” شاط ” ، لأنه مخلوق من نار .
– ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ،ولكن الأولى أصح ، وعليه يدل كلام العرب .
معنى شيطان لغة وشرعاً
وقال سيبويه : العرب تقول تشيطن فلان ، إذا فعل فعل الشياطين ، ولو كان من ” شاط ” لقالوا : ” تشيط ” و”الشيطان ” مشتق من البعد ، على الصحيح ،ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان ” شيطاناً ” ، قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) الأية 112( سورة الأنعام ) .
وفي مسند أحمد ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الأنس والجن ، فقلت : أو للإنس شياطين ؟ قال : نعم “ (2) .
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أيضاًا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود ، فقلت يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأصفر ” فقال : الكلب ألأسود شيطان ” .
ورى الطبري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبختراً ، فنزل عنه وقال : ما حملتوني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتي أنكرت نفسي (3) . وأسناده صحيح .
الرجيم لغة وشرعاً
و”الرجيم ” : ” فعيل ” بمعنى مفعول ، أي أنه مرجوم مطرود عن الخير كله . كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ) الآية 5 ( سورة الملك ) ، وقال تعالى ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا )بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) ( دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِب ) (إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الآيات 6-10 ( سورة الصافات ) ، وقال تعالى ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِين ) ( (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الآيات 16-18 ( سورة الحجر ) .
طالع شرح الشيخ الفوزان (يوتيوب)
الهامش :
1- الآيات الثلاث : قوله تعالى :
– (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الآية 200 ( سورة الأعراف) .
– (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ)(وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) الآيات 96- -98 ( سورة المؤمنون) .
– ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الآيات 36-34 ( سورة فصلت ) .
2 – رواه النسائي : 319 هكذا مختصراً، وهو في المسند ضمن روايتين معلولتين 5:178، 179 ( حلبي ) . ورواه أيضا ضمن حديث معلول عن أبي أمامة 5 :265 .
3 –البِرْذَوْنُ : يُطلق على غير العربي من الخيل والبغال، من الفصيلة الخيلية، عظيم الخِلْقة، غليظ الأعضاء، قوي الأرجل، عظيم الحوافر (معجم المعاني الجامع )
كاتب وكتاب
يقع الجزء الأول من كتاب ”عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير 700 -774 هجرية ” في 291صفحة ، من الحجم الوسط ، اختصار وتحقيق أحمد محمود شاكر ، مطبوعات دار المعارف بمصر عام ( 1376- 1956 م ) صادر عن ( دار الكاتب العربي ) ، من مقتنيات مركز المخطوطات والتراث والوثائق ، ضمن محتويات مكتبة الباحث عبدالله الخضري ( يرحمه الله ) الوقفية المهداة للمركز .
يتبع لاحقا : معنى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .