• Post published:22/12/2020

انتقاءات من كتاب (في بلاد اللؤلؤ) الحلقة الأولى

سياحة بين سطور من ماضي الكويت بعين شامية 

 

احدى بوابات السور الذي يحيط بمدينة الكويت قديما
احدى بوابات السور الذي يحيط بمدينة الكويت قديما

 

تراثنا – التحرير :

 

تستل تراثنا مقتطفات من ذكريات طوتها السنين ، وخلدتها الأوراق ، من سطور دونها المحامي الأستاذ فيصل العظمة في كتابه (في بلاد اللؤلؤ) .

 

تحدث فيها العظمة ” يرحمه الله ” عن مشاهداته لمعالم الحياة في الكويت عندما قدم لسنة واحدة للعمل ضمن أوائل البعثات التعليمية السورية في مدراسها ، في شوال عام 1361 هجرية ( 1942 م ) فكانت سطوره التالية شاهدة على حقبة زمنية مضت .

 

الإستاذ فيصل العظمة - يرحمه الله
 فيصل العظمة – يرحمه الله

العظمة :

  • الحدود بين الكويت والعراق ..حجر صغير حقير على الإسمنت من الأرض يكاد يعثر به المرء ولا يشعر !

  • وصلت البعثة التعليمية دار شملان حيث استقرينا وغيرنا توقيت الساعات إلى التوقيت العربي المحلي .

  • استرعى انتباهي من بين من قدموا للسلام علينا فتى وسيم لطيف هو الشيخ جابر العبدالله ابن رئيس المعارف .

  • استقبلتنا ساحة تدعى ” نايف ” مضاءة بأنوار الدور الحكومية وساحة ” صفاة ” وناس تستمع إلى (الرادي) وتدخن ” القدو ” !

 

كشك الشيخ مبارك الصباح

بعد سبعة أيام ، عند وصوله بالقطار ، قادماً من دمشق مروراً بحلب إلى بغداد ، ثم إلى البصرة ..يصف الأستاذ العظمة المشهد بالتالي :

 

ومنها ركبنا السيارات ( البوكس ) إلى الزبير ، ومنها إلى مكان اسمه ( صفوان ) ، وهو آخر مخفر عراقي على الحدود الجنوبية .

 

وبعد ( عدة ) أكيال ، أشار السائق إلى حجر صغير حقير على الأسمنت من الأرض الرملية ، يكاد يعثر به المرء ولا يشعر ، وقال : أنه الحد الفاصل بين المملكة العراقية وإمارة الكويت المستقلة ..

 

ودخلنا حدود الكويت ، وأخذت السيارات تندفع بنا في بحر الرمل ، وأرخى الليل سدوله ، ولكن طلع القمر بعد قليل ، إذ كانت الليلة السادسة عشر من شوال ، ولم يلمح لعيني نور أو قبس من نور سوى ضوء القمر ، وبقيت السيارات تسير في الصحراء نحو خمس ساعات ..

 

وصلنا الكويت

 

ثم ينتقل إلى القول : ..ودق السائق بوق سيارته ، وانعطف ذات اليسار ، فرأيت على ضوء السيارة سوراً فيه بوابة كبيرة ، فقلت بفرح : وصلنا .

 

ودخلت  السيارة من البوابة إلى شارع مفروش بالرمل بعرض ستين متراً تقريباً ، اسمه ” ساحة نايف ” ، وحيانا الحرس بسرعة واقتضاب ثم مررنا بساحة “الصفاة ” الفسيحة ، التي كانت تشع فيها الأضواء من دور الحكومة والمقاهي ، وكان الناس قاعدين يستمعون إلى الرادي (1) يدخنون ” القدو ” أي الاركيلة ، وما كادت تقف السيارات أمام دار الأمن حتى توافد الناس للسلام علينا ، وشاع الخبر في المدينة مثل البرق بأن البعث السورية قد وصلت ، و الغريب أنه لم يكن في استقبالنا أحد لا من طرف الأمير ولا من طرف الحكومة .

 

 

الشيخ جابر العبدالله الصباح في افتتاح حديقة الحيوان عام 1957 م
الشيخ جابر العبدالله الصباح في افتتاح حديقة الحيوان عام 1957 م ( الصورة

 

التوقيت العربي

 

ويواصل العظمة حديثه مشيرا إلى استقرارهم في دار الشملان حيث نزل الأخوة السوريين مكرمين فيها ، ويقول ” وللحال غيرنا ساعاتنا فجعلناها عربية على عادة القوم هناك ..

 

ويستأنف : واخذ الناس يتوافدون للسلام علينا أفرادا وجماعات من كل الطبقات .. وقد استرعى انتباهي بين الشباب فتى وسيم لطيف أتى للسلام علينا هو جابر العبدالله نجل رئيس المعارف .

 

الشيخ أحمد الجابر وبدأ تصدير النفط الكويتي
الشيخ أحمد الجابر وبدأ تصدير النفط الكويتي

زيارة الأمير

 

وفي اليوم التالي ، ذهبنا جميعا للقيام بواجب السلام على سمو الأمير (2) ، سرنا في الطريق وكنت أسال الشملان : هل استأذنت سموه ، وكيف تقابله بدون سابق موعد ؟ فكان يبتسم ويقول : ما يخالف أي لا مانع .

 

وصلنا قصر ( الكشك ) ، وهو قصر من طابقين مبني من الطابوق ، أي الآجر العراقي ، بسيط الهندسة ، قليل الزخرفة .. ودخلنا القصر بلا استئذان ، ومررنا إلى البهو حيث يقعد سمو الأمير ، ولم يسألنا الحاجب والجنود الذين لا يمنعون اتصال الناس بالأمير ،وهذا تواضع يحمد عليه ملوك وأمراء العرب ، ورأينا ( الفداوية ) أي الحرس الأميري الخاص بألبستهم العربية المعروفة يحملون ( التفك ) أي البنادق ، والعبيد يحملون على أيديهم الصقور .

 

ذعر بحضور الأمير

 

ويمضي إلى القول عن مشاهداته داخل ( الكشك) حسب وصفه للقصر : ..ما وصلنا إلى قرب الباب (مكتب الأمير) حتى عرتني الدهشة حينما نهض من في صدر المكان يرحب بنا ، ويصافحنا هو سمو الأمير نفسه !!

 

ققعدنا قربه وكان هو قاعداً على ( قاطع ) إلى قرب نافذة تطل على البحر وبجانبه الهاتف ، وبعد تبادل التحيات واثناء الحديث ، فجأة دوى البهو بالصياح ، وسمعت جلبة وضوضاء ، وعلت أصوات الجنود و الفداوية ، و الخدم والعبيد بصورة شديدة ، رنت لها أرجاء البهو ، فذعرت قليلاً واتجهنا جميعا نحن الضيوف بأنظارنا إلى الباب ، وحسبنا أنه حدث ما لا يرضي ، أو أن أحدا يريد الاعتداء على القصر ، أو الدخول بالقوة !

 

قهوة !

 

صب القهوة العربية من الدلة
صب القهوة العربية من الدلة

ولكن تبين أن هذه الصيحات لم تكن إلا ترديداً لأمر سمو الأمير (قهوة) ، فردد الجميع ( قهوة ) (قهاوة) (إي والله قهوة) وهي طريقة يخبر بها الحرس بعضهم بعضا ، حتي يتصل الأمر بمسامع ” راعي المعاميل ” أي صانع القهوة ..وتقهوينا .

 

استقبلنا سمو الأمير باحترام ولطف وبشاشة ، وسألنا عن سورية ومصر، وعن سفرتنا ، وهنأنا بالسلامة ، ثم استأذنا سموه وانصرفنا شاكرين .

 

وطفنا كذلك على بقية (الشيوخ ) أي الأمراء ، وسلمنا عليهم أيضا ورددنا التحيات لكبار القوم .

 

وللحديث بقية ..

 

 

كاتب وكتاب

 

كتاب في بلاد اللؤلؤ لفيصل العظمة

 

يقع كتاب( في بلاد اللؤلؤ ) في 213 صفحة من الحجم الوسط ، وحفل بالكثير من المواقف والأحداث والشخصيات التي دونها المؤلف، لتكون وثيقة عن حقبة زمنية مضت ، والنسخ تتوفر لدى مركز المخطوطات والتراث والوثائق للسادة الباحثين والمهتمين بالتراث والتاريخ الكويتي .

 

هامش :

1- راد : على وزن ناد والجمع رواد كنواد عربناها عن راديو .
2- الأمير : الشيخ أحمد الجابر الصباح ( 1885- 1950 م) .

 

الصور : ( تاريخ الكويت ) ، شبكة الانترنت 

 

طالع : تقرير تراثنا عن كتاب ( في بلاد اللؤلؤ ) .

 

 

تواصل مع تراثنا 

 

اترك تعليقاً