وقفات مع إذاعي وروائي فقدته الكويت ( الجزء 1 )
من الكتاتيب والدراسة المسائية إلى صاحب منتدى نخبة الأدباء والشعراء والمثقفين
تراثنا – التحرير :
رحل عن دنيانا إلى جوار ربه وواسع رحمته الأديب والروائي الإعلامي المخضرم سعود بن غانم بن محمد الجمران* في 30 من ديسمبر عام 2020 م ، وهو من الشخصيات التي لها حضورها المميز في تاريخ الكويت الحديث على مختلف الأصعدة الوطنية والأدبية .
بصمة الفقيد سعود الجمران ” يرحمه الله ” ذات خصوصية مميزة ، ولمسات تفرد بها ، لا سيما فيما يتعلق بشؤون آدب البادية وفنونها المختلفة، حيث وجدت طريقها إلى الإذاعة الكويتية في بداياتها على يديه ، وكان من الرواد الإعلاميين في انطلاقتها منذ بدء نشأتها ..
-
شارك جد سعود الجمران في معركة الصريف مع الشيخ مبارك الصباح ولقبوه جماعته ب ” الجمران ” لحمرة بشرته فاشتهر بها وأسرته .
-
تمتع سعود الجمران بذوقية عالية في شعر الحاضرة والبادية وقدرته على تركيب الدوائر الشعرية في بعضها البعض ونسبة الأبيات إلى قائلها .
-
كان ديوانه منتدى وملتقى الشعراء والأدباء والمفكرين وتمتع بقدرة على إدارة الحوارات وسلاسة وجزالة ثقافته وسعة اطلاعاته .
-
ليلة تهديدات عبدالكريم ضم الكويت للعراق تداعى الجمران والجماهير الغاضبة إلى قصر نايف ففزعوا بصيحة الغضب الشهيرة: يا أبو سالم عطنا سلاح !
الباحث في الشأن التاريخي والإعلامي فهد معيوف الشمالي العجمي خص موقع تراثنا بنبذه عن سيرة الجمران – يرحمه الله – وبيَّن لنا كثير من جوانب شخصيته المميزة الخلوقة بحكم تواصله وتردده على ديوانه في منطقة أشبيلية ، الذي كان أشبه بمنتدى ثقافي أدبي جمع تحت سقفه المثقفين والمفكرين والشعراء .
والده وجده
والشيء بالشيء يذكر ، فلا بد من التنويه بأن والد الأديب وهو ( غانم بن محمد جمران العجمي ) يرحمه الله ، وُلد في 1901 م، سنة ( معركة الصريف ) وكان والده محمد بن جمران قد شارك في الصريف مع حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح ” يرحمهما الله “، يُشار إلى أن اسم جده الأصلي ( هادي ) ولكن لقبوه جماعته ب (جمران) لحمرة بشرته .
وفي خلفية سريعة عن طبيعة عمله ، فقد أجاز في عام 1947م م المعتمد البريطاني في الكويت الكولونيل دكسون لوالد الفقيد العمل في شركة البترول KOC بالأحمدى عند بداية نشاطاتها ، كما عمل مسؤولاً عن حماية أول محطة تقطير للمياه الحلوة في الشويخ التابعة لدائرة الأشغال العامة عام 1953 م ، حتي تقاعد عام 1967 م . وكانت تربطه صداقة بالشيخ علي الخليفة الصباح وشيوخ الكويت ، كما لم تنقطع زياراته للرياض وزياراته للملك عبدالعزيز آل سعود حيث موطن ومنبع قبيلة العجمان شيوخها وكبرائها .
التعلم والكتاتيب
وبالعودة إلى الفقيد – يرحمه الله – يتحدث الباحث الشمالي عن نشأته وتعلمه فيقول : ” كانت بداية تلقيه العلم لدى الكتاتيب على يد امام مسجد من سلطنة عمان من مدينة صور ، حيث تعلم لديه حفظ القرآن وعلوم الكتابة والقراءة والعربية والحساب، مما نمى لديه موهبة الحفظ ، وقوة اللغة العربية ، ثم أكمل دراسته في المعهد الديني ، وانهى دراسته في الفصول المسائية في ثانوية مدرسة الصليبخات .
منذ لحظة اللقاء به تتلمس دماثة الأخلاق ورقة المشاعر ، يقول الباحث الشمالي عن الفقيد الراحل سعود بن غانم بن محمد الجمران من آل ضروان من آل سليمان العجمي – يرحمه الله – مشيرا إلى أنها صفة ملازمة لشخصيته المحبة لإشاعة أجواء الود والتواصل مع الأخرين .
ذوقية عالية
ويمضي إلى القول : المقربون من مجلسه يعرفون طريقته في ادارة الحوارات، ويدركون مدى تمتعه بذوقية عالية في شعر أهل البادية والحاضرة على حد سواء ، وجزالة قدرته في المعاني وتركيب الدوائر الشعرية في بعضها البعض ، ومعرفته الواسعة ببحور الشعر ومن هو قائل الأبيات ، مشيراً إلى ان الجمران وظف خبرته الواسعة في الاشراف على ترجمات الكتب بما لديه من باع طويل في رجال البادية ومروياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأشعارهم .
الديوان الثقافي
وعن سكناه يوضح : تنقل الأديب الجمران إلى مساكن عدة خلال حياته ، وكان أول سكن له في صغره مع أهله في المقوع ، ثم انتقل إلى خيطان ، وفي أواخر الستينيات انتقل إلى بيوت الحكومة في منطقة الصليبخات حيث كان مسكن والده ، ثم كان له سكنه الخاص به في الرابية ، واستقر في آخر سكن له في منطقة أشبيلية على الشارع العام مقابل الفروانية .
وعن طبيعة ديوان الفقيد الجمران قال : كان لديه ديوان يحضره كثير من الادباء والمفكرين والشعراء ، وكان بمثابة منتدى كبير للثقافة والمثقفين، وقد تشرفت بالتواجد في ديوانه بصفتي باحث شمالي ، جاء ذلك تلبية لدعواته حيث يدير الحوارات والنقاشات ، وكان – يرحمه الله – رجل مبدع ، ويتمتع بسلاسة ادارة الحوارات بين ضيوفه بما من واسع ثقافة واطلاع .
*طالع الجزء الثاني:( وقفات مع عطاءات غانم سعود الجمران ..) .
ملكة الدقة
وعن أول لقاء جمعه بالأديب يقول : أول مرة التقيت به كان في معرض الكتاب، وكنت أراه مع الباحث مهنا المهنا ، والراوي الأديب طلال الموعد الشمري ، وكان يحب النقاش وأثارة المواضيع من خلال اطلاعاته على الكتب وإثراء معرفته.
ويستطرد : وقد سألني في حينها عن اسمي فأخبرته ، فجاء على ذكر رواية عن جدي عبدالله الشمالي ” يرحمه الله ” ذكر تفاصيلها بعناية ، وكأنه أحد الأطراف الذين حضروا حادثتها، و هي ملكة تؤهله نقل نص الرواية كما سمعها بتسلسل احداثها .
الجمران والإذاعة الكويتية
وفيما يتعلق بدوره الإعلامي في اذاعة الكويت يقول : تم تعيينه في عام 1960 م بالإذاعة الكويتية شهر يناير ، وكان رئيس الاذاعة آنذاك الشيخ عبدالله مبارك الصباح نائب الامير ورئيس الاذاعة حينها ” يرحمه الله “، وكان من القائمين عليها محمد توفيق الغصين ” يرحمه الله ” ،وهو أحد الأعلاميين البارزين في فترة الأربعينيات والخمسينيات ، وله خلفية إعلامية بالعمل لدى اذاعات عالمية عدة عمل بها ، كما كان له دور كبير في تأسيس اذاعة الكويت في بدء انطلاقها .
يا بوسالم عطنا سلاح
ولم يتوقف دور الأديب الروائي والإعلامي سعود بن غانم الجمران عند حد الثقافة وفنون الرواية ، بل كان له دوره الوطني في الدرء عن حمى الوطني منذ بداياته ، حيث يفيدنا الباحث الشمالي بأن الفقيد في عام1961م ، حينما طغت احداث مطالبات عبدالكريم قاسم الباطلة بضم الكويت للعراق ، برز هذا الشاب ( سعود الجمراني ) في هذا الموقف واتجه إلي ساحة الصفاة ، وينقل عنه في احد مجالسه : ” ما قدرت انام بالليل عند سماعي تلك الادعاءات والافتراء ، فأتجهت إلى ساحة الصفاة ، والتقيت بالشباب المتجمع هناك ، وخطبت بهم ، وحمستهم ، واتجهنا جميعا إلى” قصر نايف “، وهناك انطلقت أصوات الشباب بصوت واحد تناشد سمو الأمير صباح السالم الصباح ” يرحمه الله ” : يا أبو سالم عطنا سلاح ” ! ، فزعة للوطن وسيادته على أرضه وعزته .
ذكريات التحديات
ولا شك أن ممن أمد الله في أعمارهم وبارك لهم فيها ، وعاشوا تلك الوقائع ، يستذكرون هذه السطور ، ويعيشون لحظاتها رؤيا العين ، وتعيدهم إلى أجواء مفعمة بالحماس وفورة الشباب وتحدياته، وتذكرهم بإيام مضت ..نسأل الله المغفرة والرحمة للأموات منهم ، وأن يبارك في الأحياء ويمدهم بالعافية وقبول صالح العمل .
يتبع لاحقا الجزء الثاني والأخير من التقرير
*مواليد عام 1945م كما افادنا الباحث فهد الشمالي عن حفيد الفقيد د. عبدالله خالد سعود غانم الجمران .