فكّر ملياً واتعظ
إلتفت يمنة ويسرة ..فهل ينعم الأخرون بظِلال الحريات التي ننعم بها !!
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * : بعد سقوط الدولة العثمانية ، واحتلال الاستعمار الغربي ( بريطانية ، فرنسة ، ايطالية ) لدولنا ، كان الثوريون العرب يلهبون الشارع في كل مكان لحرق أرض ذلك الأستعمار التي يمشي عليها ، ومفاومته بشتى الصور .
فكان أن نُصبت المشانق في كل زقاق وطريق ، وفُتحت السجون والمعتقلات المتنوعة تحت الأرض وفوقها ، وقُطعت أطراف ، ومُشطت لحوم ، وصُعقت أجساد بالكهرباء ، وحُميت بإسياخ الحديد والنار ، وقُلعت أعين ، وكل ذلك جراء دفاعهم عن الأوطان ،ورفضهم لحياة الذل .
-
اين جيل اليوم من السابقين..فُتحت لهم المعتقلات وقُطعت أطرافهم ومُشطت لحومهم وصُعقوا بالكهرباء في مواجهة المستعمر ؟!
-
عندما قصف العدوان الثلاثي مدن مصر هبت جماهير الكويت لنصرتها ، وسجل المواطنون اسماءهم للدفاع عنها على رأسهم والدي .
-
حب الوطن والذود عنه يتطلب أن نقّوم اخلاقنا وآدابنا على ديننا ولا نقتدي بالسفهاء ..فما أكثر الذين يدمرون لا يرعوون (مال عمك ما يهمك) !
أين جيل اليوم من الأمس
فاستعمار الماضي وحشي لا شفقة عنده، ولا يملك رحمة ، ولا يرعى لأنسان حقاً ، ولا حياة يريدها له ، وأما من خان بلده ، وخدع شعبه وأمته ، فهو على خلق ذلك المستعمر .
اين جيل اليوم من جيل الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات ،رغم ما كان عليه من أخطاء وعثرات ، ولكنها نسبة إلى جيل هذا الزمان – إلا من رحم – فلا شيء يُذكر ، ذلك الجيل يهب لنصرة أخيه في كل مكان ، فكان تحت ظل رمحه – واذكر على سبيل المثال – في أعوام الخمسينيات أبان العدوان الثلاثي على مصر ، وقصف المدن البعيدة عن القاهرة ، وعلى رأسها بورسعيد ، فقد هبت جماهيرنا الكويتية لنصرتها .
النفرة في وجه المستعمر
والكثيرون سجلوا اسماءهم للانخراط في الدفاع عنها ، وكان على رأسهم والدي _ يرحمه الله – ولا أنسى تلك الصور التي كانت توضع في لوحة مدرسة المثني الابتدائية ، عن أحداث الحرب هناك ، فكنا جميعاً نعيش معهم الحرب ، بجميع حيثياتها ، ولا اريدك أن تكون ثورياً كما كان عليه السابقين ، فذاك نفرته في وجه المستعمر ليس إلا .
ليسوا قدوتنا
حب الأوطان وحفظها، ورعايتها والذود عنها ، ينبغي أن تصبح أخلاق الفتي وآدابه ،ولا علينا من غيرنا ، إذا لم تكن عنده تلك الموازين ، فالساقط وغير المؤدب والخائن ،كل أولئك ليسوا قدوتنا ، فابدأ بنفسك يا فتي ، واصلحها وقوَّمها على الدّين والخلق ،وراقبها وصنها ، ولا تكترث بما فعل السفهاء ..فلو صان كل منكم نفسه ورعاها ، فلن يبقى أحد سائراً على ذلك الطريق المنحرف .
مال عمك ما يهمك
حق الوطن علينا كبير ، فهو لا يزال يعطينا ونحن لا نعطيه ، متكاسلون عنه ، فأنت تستخدم مرافق كثيرة ،قد يسَّرها الله لك على أرض وطنك ، ورغم أن الكثيرون لا يستخدمون ممتلكات الوطن العامة الاستخدام الحسن اللائق ، فأنهم فوق هذا يعمدون إلى تخريبها ، وتدميرها وتحطيمها بدون اكتراث ، ولا ترعوي انفسهم عن ذلك الفعل الشائن ، وشعارهم مقولة شعبية شائعة ( مال عمك ما يهمك ) !
نحن والآخرون
ولا أقول جميعهم ، ولكن إلى متي أيها المواطن – إلا من رحم – في اعتقادك ستظل على ذلك ؟ وما هي نتائج أعمالك على البلاد ؟ هذا سؤال اطرحه عليك ، لعلك تفكر فيه ملياً ، وقبل أن تجيب ، أريد منك كذلك أن تنظر يمنة ويسرة في البلدان الأخرى ، هل تنعم بظلال الحرية التي تعيشها أنت ؟؟
فهل فكرت ملياً وبعيداً واتعظت ، فنحن والله محظوظون موفقون وبخير ، وخير كثير ، والحمدلله الذي ينعمته تتم الصالحات .
والله الهادى وبه نستعين ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
-نُشرت المقالة في الزميلة القبس في 27 من مايو عام 1995 م .
الصور : ( الخليج )، ( د صالح الجريد )، ( محمد الملا ) .