من كتاب (في بلاد اللؤلؤ) الحلقة ( 5 )
سطور من ماضي الكويت بعين شامية
تراثنا – التحرير :
يعود بنا الكاتب السوري والمحامي فيصل العظمة” يرحمه الله ” إلى انطباعاته عن كويت عام 1942 م ، التي دونها في كتابه ( في بلاد اللؤلؤ ) ، وكان قد قِدم إليها تطوعاً براتب زهيد للعمل مدرساً مع زميلين آخرين لعام واحد في أمارة صغيرة تطل على رأس الخليج .
العظمة في ذكرياته
-
قرية الفنطاس نظيفة وهادئة ..تتمتع بشاطيء رماله كأنه مسحوق الذهب ، يعمل أهلها بصيد اللؤلؤ والأسماك والزراعة .
-
الملا مزعل هو أمام وخطيب جامع القرية ومأذون الزواج وقاضي الأحوال الشخصية ويقرأ على الأموات ، ومدير مدرستها ومعلمها ومنظفها !!
-
واجهتنا عراقيل لزيارة نجد ، وعند قنصل ابن سعود (النفيسي) الخبر العراقيل عن سبب العرقلة ، فبقينا في الفنطاس 15 يوماً .
-
كانت زيارة الفنطاس أجمل أيامنا في الكويت قضيناها على الشاطيء الجميل ،نجمع القواقع ونسير على مهل إلى مزارع البندورة والبقل والبصل!
رحلة إلى الفنطاس
بعد أن تعرض قرية الجهراء ووصف زيارته لها ، ينتقل في ص ( 54-56 ) إلى وصف قرية الفنطاس ، حيث يكشف لنا الأنشطة فيها ، وبعض شخصياتها فيقول :
“هي ثاني قرية في الكويت ، نظيفة وهادئة ، وتُعد أجمل قرى الكويت ، وهي متربع (1) عليه القوم ، تبعد عن المدينة 25 ك جنوباً ، قصدتها في الربيع مع أعضاء البعثتين السورية والمصرية للتربع ، مجتازين بساطاً من زبرجد عليه خطوط صفراء ، هي طرق السيارات الذاهبة هنا وهناك ، ووصلناها بعد ساعتين لعتق وخلاعة السيارة ، التي كان يقودها جمعة ، الذي ما كان يرى غديراً إلا ويقتحم ماءه بالسيارة ، فأسأله فيقول : الأرض زينة يبر أي ( جبر ) ، أي صلدة ويخشى أن يسير في الأرض المبتلة ، لئلا تتوقف السيارة “
.
دفع السيارة
وفي وصف ظريف يستطرد العظمة ” يرحمه الله ” في تصوير المشهد مع مشاكل السيارة : ” ومع ذلك توقفت مراراً ، ونزل جمعة ، واستعان بألواح التوتيا ، ودفعنا نحن السيارة بإيدينا وأكتافنا ، وسط عاصفة من الضحك ، وما كنت أخشى إلا أن تتوقف السيارة وسط الغدير ، الذي هو بحيرة صغيرة ، فنضطر للخوض في الماء حتى الأفخاذ ، ولكن جمعة ، أو كما يسمي حاله ” يمعة ” كان يقول : يالله وننجو “.
رشاش من المياه
ويسترسل في وصف لحظة الوصول موضحاً : ” وما وصلنا الفنطاس إلا وقد أخذت حماماً من رشاش مياه الغدران ، التي كانت تنصب عليّ من نوافذ السيارة الخالية من الزجاج ، ومن أسفلها الخالي من ألواح الخشب ، وقد سرّنا هذا اللون المضحك من الأسفار ..ووصلنا “.
وعن موقع القرية يُبين العظمة : “تقع الفنطاس على شاطيء البحر ، وساحلها رملي ناعم نظيف ، كأنه مسحوق الذهب ، وفي القرية أربعمائة (2) نسمة ، يشتغل معظمهم بقطف اللؤلؤ وصيد الأسماك والزراعة ورعي الماشية “.
الملا مزعل
ومن لطائف الجولة وقوف الزوار على الدور الذي يلعبه “الملا مزعل ” الشهير في القرية فيقول : ” ” في القرية جامع ومدرسة أولية ، ومعلم المدرسة ” ملا مزعل ” يقوم بجميع أعمال المدرسة ، من إدارة وتعليم وتنظيف ، ألخ .. وهو يقوم في القرية بوظيفة قاض ، يفصل في المنازعات ، وبوظيفة ضابط الأحوال المدنية ، من عقد الزواح وتحرير التركة ، ويقرأ للأموات ،وهو نفسه إمام الصلاة وخطيب الجامع “.
وقد حضر لنا ( الملا مزعل ) خطبة بليغة لصلاة الجمعة ، أظهر لنا علمه فيها ، فلم يترك آية ولا حديثاً إلا ضمنه الخطبة ، ولم ير وصمة عار ونقيصة إلا ألصقها بالناس ، ثم دعاهم لتركها ، وما ترك مكرمة إلا شجعها ودعا إليها .
وفي زيارة أمير القرية ” لم يذكر اسمه ” يقول : ” للقرية أمير ( مختار ) ينظر في شؤونها ، وقد زرناه في ” ديوانيته ” أي غرفة الاستقبال ، فوجدنا غرفة مظلمة ، علا جدرانها الدخان ، ونصف الغرفة تشغله أكياس الأرز والسكر والبن ، لأنه مأمور الإعاشة هناك “.
الربيع في الصحراء
ويعقد العظمة مقارنة ” غير محايدة ” بين ربيع الفنطاس والشام موطنه ، فيقول: ” أقمنا في الفنطاس خمس عشر يوماً ، بعد أن قامت في وجهنا عراقيل منعتنا من زيارة نجد ، وعند قنصل ابن سعود السيد النفيسي الخبر اليقين عن سبب العرقلة ، وقد استمعتنا بجمال الصحراء ،
وهدوئها وبساطتها ، وكانت هذه الأيام من أجمل الأيام التي قضيناها في الكويت ” .
ولكنه يستطرد : ” الربيع جميل في الكويت كما هو في دمشق ، وإن تغايرت الألوان ، وتفاوت الحسن ، وكيف لا نُسر ونحن مغمورون بالجمال والشعر والإلهام والهدوء والبساطة ” ؟
*طالع الحلقة (الرابعة) :
الكويت وقرية الجهراء في منظار مدرس دمشقي .
وفي ختام حديثه عن الزيارة يكشف العطمة – يرحمه الله – عن طبيعة حياتهم اليومي فيها : ” كنا نقضي النهار في المشي على الشاطيء الجميل ،نجمع القواقع النادرة ، أو نقعد في خيمة بيضاء واسعة ، ضربت لنا على الشاطيء ، نقرأ ونتحدث ونشرب الشاي ، أو نسير على مهل إلى المزارع حيث البندورة والبقل والبصل ، فنقعد على حافة بركة نأكل البندورة مع البصل ، ثم نسير بين الواحات تحت أشجار السدر والنخيل ، وعلى ضفاف الغدران الهادئة ..”.
ويسترسل الكاتب فيصل العظمة ” يرحمه الله ” في رسم لوحة جمالية لربيع قرية الفنطاس بأسلوبه الأدبي الجزل .. هبوب النسائم الصحراوية ، وتراقص مويجات صغيرة لطيفة على ضفاف الغدران ..
صور : ( صالح المسباح ) ( موقع تاريخ الكويت ) ( ارشيف تراثنا ، الأنترنت ).
هامش :
1- المتربع المكان ، الذي يقضي فيه القوم فصل الربيع ويقابل المصيف عندما .
2- الصواب : أربعمئة .