لكل زمن هولاكو وسفهاء !
د .الشيباني : في هذا الزمن عندما يُفسد المفسدون تتوقف حرية إنكار المنكر ؟!
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
في سنة 657 هجرية ( 1258 م) أرسل هولاكو ايلجية إلى الملك الناصر صاحب حلب في الدولة العباسية ، رسالة يقول فيها : ” يعلم الملك الناصر أننا نزلنا بغداد في سنة 656 هجرية ، وفتحنا بسيف الله تعالى (1) ، وأحضرنا مالكها وسألنا مسألتين ، فلم يجب لسؤالنا ، فلذلك استوجب منا العذاب كما قيل في قرآنكم ِ” إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ” ( الرعد -11 ) ، وصان المال وقال الدهر به إلى ما آل ،واستبدل النفوس والنفيسة ينقوش معدنية خسيسة ، كان ذلك ظاهر قوله تعالى “وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا “( الكهف – 49 ) .
هولاكو للخليفة الناصر
-
حصونكم لن تمنعكم منا، ودعاؤكم غير مستجاب ، ونحن لا نرحم من شكا ، ولا نرق لمن بكى ، فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب .
-
إن خالفتم أمرنا فلا تلومونا ولوموا أنفسكم لأنكم أكلتم الحرام، واظهرتم البدع ،واستحسنتم الفسق بالصبيان ، فابشروا بالذل والهوان،
شماتة هولاكو
ويواصل هولاكو بشماتة ، تذكير عدوه المسلم بالآيات والتعابير القرآنية نفسها، التي خالف المسلمين أوامرها ، فيقول : ” لأننا قد بلغنا بقوة الله الإرادة ، ونحن بمعونة الله تعالى في الزيادة ، ولا شك أننا نحن :جند الله في أرضه ، خلقنا وسلطنا على من حل عليه غضبه ، فليكن لكم في ما مضى معتبر ، وبما ذكرناه ، وقلنا مزدجر ، فالحصون بين أيدينا لا تمنع ، والعساكر للقائنا لا تضر ولا تنفع ، ودعاؤكم علينا لا يستجاب ولا يسمع ، فاتعظوا بغيركم ، وسلموا إلينا أموركم قبل أن ينكشف الغطاء ،ويحل عليكم الخطا ، فنحن لا نرحم من شكا ، ولا نرق لمن بكى ، قد أخربنا البلاد ، وأفنينا العباد ، وأيتمنا الأولاد ،وتركنا في الأرض الفساد ، فعليكم بالهرب ، وعلينا بالطلب .
السلم أو الندم
ويستأنف : فمالكم من سيوفنا خلاص ، ولا من سهامنا مناص ، فخيولنا سوابق ، وسهامنا خوارق ، وسيوفنا صواعق ، وعقلونا كالجبال ، وعددنا كالرمال ، فمن طلب منا الأمان سلم ، ومن طلب الحرب ندم .
تماديتم في غيكم
ومضى مهدداً : فإن أنتم اطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا ، كان لكم مالنا ، وعليكم ما علينا ، وإن انتم خالفتم أمرنا ، وفي غيكم تماديتم ، فلا تلومونا ، ولوموا أنفسكم ، فالله عليكم يا ظالمين ، فهيئوا للبلايا جلباباً ، و للرزايا أتراباً ، فقد أعذر من أنذر ، وأنصف من حذر .
وبشر هولاكو الناصر بالذل والهوان : ” لأنكم أكلتم الحرام ، وخنتم بالايمان ، واظهرتم البدع ،واستحسنتم الفسق بالصبيان ، فابشروا بالذل والهوان ، فاليوم تجدون ما كنتم تعلمون ،” وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ” ( الشعراء -227)، فقد ثبت عندكم أننا كفرة ، وثبت عندنا أنكم فجرة !
وسلطنا عليكم من بيده الأمور مقَّدرة ، والأحكام مدبَّرة ، فعزيزكم عندنا ذليل ، وغنيكم لدينا فقير ، ونحن مالكو الارض ، شرقا وغربا ، وأصحاب المال نهباً وسلباً، فمبزوا بعقولكم طرق الصواب ، قبل أن تضرم الكفرة نارها ، وترمي بشرارها ، فلا تبقي منكم باقية ، وتبقى الأرض منكم خالية “.انتهى
احوالنا بين الأمس واليوم
الرسالة تعنينا ، ففي ثنياها أمور وقضايا كثيرة تشرح أوضاعنا ، وكيف آلت حيث استبدلت النفوس النفيسة ، بنقوش معدنية خسيسة ،وسلمت بلداننا لغيرنا ، ولا أحد يرق لبكائنا ، لأننا ضاعت هيبتنا ،وهانت علينا أنفسنا .
تمادينا في غينا ، ونحسب بتكبر أننا على علم حق ، ولا ندري حقيقة أننا على جهل وباطل في تسيير عجلة حياتنا ، ونرى من الذل والهوان ما لا تراه أقل الدول .
إن هلك هولاكو ، فهناك عشرات الهولاكوات غيره في كل زمان ، فلكل زمان هولاكو ، ولكل حقبة مفسدين سلط الله عليهم أمثال هولاكو ، لا سيما وأننا في زمان أصبح للمنكر والفاحشة و (المثلية ) حماة لها ،ومن يشرعنها في بلاد المسلمين ، وللأوثان من يذود عنها ، بحجة حرية تعددية الديانات ( حرية نشر الفساد بانواعه ) بحماية القانون والدساتير ، والويل والثبور لمن ينكر منكراً ، فمآله غياهب السجون ،إذ تتوقف الحرية عندما يفسد المفسدون في الأرض ” !
لهذا لا نرى من كثرة دعائنا وازدياد مصلينا استجابة لذلك ، فأحوالنا هي هي ومنذ زمن ، دلالة على استيلاء الغش والخديعة والخيانة والرزايات ، على جانب كبير منها ، لأننا أكلنا الحرام وخنا الإيمان .
هذه هي حقيقة الأمر ، والرسالة فيها كثير من العبر ، ولكن هل من معتبر ، ولا سيما من تعنيه الرسالة ؟!،
والله المستعان ..
(*) رئيس مركر المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا.
1- يقصد بذلك آلهته التي يعبدها في الديانة ( الأرواحية ) كما نوهت بعض المصادر .