تستكمل تراثنا نشر فقرات من كتاب الكهانة ” اصدارات مركز المخطوطات والتراث والوثائق “وتُلقي الضوء على “الفَرق بين كهان الجاهلية واليهود” حيث يٌعتبر وحي كهان العرب من الشيطان بخلاف الآخر .
لم يكن للكهان في الجاهلية صفة دينية أصلاً ، بخلاف الكهنة عند اليهود ، ولعل السبب في ذلك كون وحيهم من الشيطان ، ووحي كهنة اليهود من الله ” بزعمهم ” .
وكان أهل الرتب العليا منهم ينقطعون للكهانة فلا يشتغلون بعمل آخر، ولا يشتركون مع القبيلة اشتراكاً مادياً في شؤونها العمومية ، بل كانوا يعيشون عادة محتجبين عن أبصار العامة لا يخالطهم إلا أهلهم وذووهم ، ولا يقابلهم من الناس إلا من قصدهم ليستطلع منهم الغيب ، وكان معاشهم من الهدايا التي قدمها لهم أولو الحاجات .
وكان العرب يحترمونهم لعلمهم وسعة اطلاعهم ، وربما احترموهم بسبب علاقتهم ذاتها بالجن والشياطين ، وبناء على ذلك الاحترام كانوا يسمون كل صاحب علم دقيق كاهناً كالطبيب والقُناقن وهو البصير بالماء تحت الأرض وكذلك كل
حكيم بصير بالأمور، وقد جاء في الحديث أن شريحاً كان زاجراً شاعراً .
وفي حديث ابن سيرين : أن شريحاً كان عائفاً ، أراد أنه أنه كان صادق الحدس والظن ، لأنه كان يفعل فعل الجاهلية في العيافة ، ومن المُحتمل ايضاً أن تكون تسميتهم للطبيب و القُناقن كاهناً من قبيل الحقيقة في لغتهم لا المجاز ، لأن الجهل كان مخيماً على عقول عامتهم ولا فرق عند الجاهل بين من يُنذر بموت رجل ، حيث لا تري العامة شيئاً من الخطر، أو يُنذر بخوف ، قبل حصوله ، وبين من يخبر بمكان الضالة أو تفسير الأحلام ، فكلا الأمرين عند الجاهل من قبيل معرفة الغيب .
وبناء على ذلك لا يبعد أن يكون قد دخل عندهم في عداد الكهان كثيرون من الأشخاص الذين كان لهم إلمام حقيقي بالطب والفلك أو غير ذلك من العلوم .
ولم تزل الكهانة في الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فأبطلها ، وقد أوردنا كلام الأزهري في هذا الخصوص ، وجاء في الحديث أنه نهى عن “حلوان الكاهن “(*) وعن “الطيرة “(**) وفي الحديث أيضا “من أتى كاهناً أوعرافاً كفر بما أنزل على محمد ” قالوا أي من صدقهم .
وجاء في صحيح البخاري أنه كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان ابو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء فاكل منه أبو بكر فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر: وما هو ، قال : تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه .
هوامش :
(* ) حلوان الكاهن : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نهى عن ثمن الكلب و مهر البغي وحٌلوان الكاهن ” متفق عليه .
(**) الطيرة : عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا عدوى ولا طيرة ، والشؤم في ثلاث في المرأة وفي الدار و الدابة ” . رواه البخاري و الفتح .
من كتاب الكهانة ” الحلقة 7 “
اشترك في ايميل خدمة تلقي الاخبار المجاني هنا
ما تنشره الروابط لا تمثل بالضرورة رأي تراثنا