الفلاسفة في حيرة بين متاهة التصديق والتكذيب
تراثنا – كتب د .محمد بن إبراهيم الشيباني * :
يضطرب كثير من المسلمين ويترددون في مسائل الفكر والعقيدة،لاسيما المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة والمناهج التكفيرية المنحرفة .فتجدهم معلقين – كما يقول الإمام الطحاوي – بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والأقرار والأنكار ، موسوسين تائهين شاكين ، فلا هم بمؤمنين مصدقين ولا جاحدين مكذبين .
• علماء الفلسفة وكثير من المفكرين والمثقفين في حيرة فلا هم بمؤمنين مصدقين ولا جاحدين مكذبين.
• الفيلسوف الرازي : لم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى” قيل وقالوا ” وارواحنا في وحشة من اجسامنا .
• الجويني عند موته : خليت اهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه ، وهأنذا اموت على عقيدة أمي .
• مثقفون وزعامات شغلوا انفسهم بعلوم الدنيا ورياستها..وعند الختام يتمنون الموت على طمأنينة وسكينة العجائز.
حال كل من عَدل عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم إلى علم الكلام المذموم ، وهؤلاء بدل أن يردوا النصوص – عند تعارضها – إلى ما قاله الله ورسوله يردونها إلى رأيهم او الآراء المختلفة ، فيؤول امرهم إلى الحيرة والضلال والشك ، وهو ما نقله شارح الطحاوية من نهايات كثير من الفلاسفة ، واصحاب الرأي وغلاة الصوفية ، عما كانوا عليه من ” قيل وقالوا” اضاعوا اوقاتهم وافنوا بها اعمارهم ، فهذا ابو عبدالله محمد بن عمر الرازي يقول في نهاية عمره .
نهاية إقدام العقول عقال
وغاية سعى العالمين ضلال
وارواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا اذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى ان جمعنا فيه قيل وقالوا
فكم قدر رأينا من رجال ودولة
فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها
رجال فزالوا والجبال جبال
وقال: لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ، ورأينا اقرب الطريق طريقة القرآن، ثم قال : ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .
الحيرة والشتات
وهذا الشيخ محمد بن عبدالكريم الشهرستاني ، انه لم يجد عند الفلاسفة و المتكلمين إلا الحيرة والندم ، حيث قال :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
وسيرت طرقي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر
على ذقن أو قارعاً سن نادم
كذلك قال أبو المعالي الجويني : يا اصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ” علم الفلسفة ” ، فلو عرفت ان الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به ، و قال عند موته : لقد خضت البحر الخضم ، وخليت اهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه ، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني ، وهأنذا اموت على عقيدة أمي ، وقال : على عقيدة عجائز نيسابور .
وقال الخونجي عند موته :ومن يصل إلى مثل هذه الحال ، ان لم يتداركه الله برحمته ، تزندق ، ومن طالب المال بالكيمياء ، افلس ومن طلب غريب الحديث كذب .
عودة إلى دين العجائز
وتجد احد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز ” التسليم بالقران والسنة تسليماً وتصديقاً تاماً ” فيقر بما اقروا به ،ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك ، التي كان يقطع بها ، ثم تبين له فسادها ، او لم يتبين له صحتها ، فيكونون في نهاياتهم – اذا سلموا من العذاب – بمنزلة اتباع اهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب ، لأنهم طول عمرهم لم يستفيدوا من بحثهم سوى ” قيل وقال ” فلما انار الله عقولهم في اخريات حياتهم وتنبهوا إلى ما كانوا عليه من فساد الفكر والمعتقد ، ونسوا الدواء النافع ، لمثل هذه الأمراض .. ما كان عليه طبيب القلوب محمد عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الذي جاء برسالة هي حياة القلوب والأرواح .
علم في الدنيا وجهل بالآخرة
طرحي لهذا الموضوع القديم الجديد ان التطرف ليس فقط هو الزام الناس بفكر معين ومن لا يأخذ به يُعنف ويُكفر أو يُقتل ، وانما هناك افكار اضرت كذلك بأربابها ، ومن تبعهم ، اردت التذكير بنهاياتهم ، وهم من هم في العلوم والمعارف شهد لهم الغرب بالزعامة والرياسة ، ولكن ماذا عنهم انفسهم؟ ليس عندهم من الدين الصحيح إلا الذي كانت عليه امهاتهم العجائز اللاتي لم ينلنه حظهن من الدرس والعلم ، وما اكثر اليوم من يدعي العلم في الدين ، وانه لا يحتاج إلى تعليمه وهو لا يملك من علم العقيدة والاتباع والتزكية شيئا ، او ما يعتقد انه السبب الذي يدخله جنات الله ورضوانه ، والسبب في ذلك هو التعاظم والتكبر والمماراة والاغترار بالذي لا يسوى ، الذي هو اشبه بالبضاعة المزجاة .
جهل الفلاسفة ومن نحا نحوهم في الدين الصحيح عليه كثير من المتعلمين والاساتذة والعلماء والمثقفين اليوم من الذين لا يدركون حقيقة هذا الدين واصوله.
والله المستعان ..
* رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق رئيس مجلة تراثنا
نقلا عن تراثنا – العدد 67
أنقر للتفاصيل
تواصل مع تراثنا