1909 – 1999م
علي الطنطاوي شاهد على رجال عصره (الحلقة 3)
تراثنا – د . أحمد بكري عصلة * :
في كتابه (الطنطاوي شاهد على عصره ورجاله)، يسطر أ . د أحمد بكري عصلة – يرحمه الله – شهادة الشيخ علي الطنطاوي على شخوص عصره، وفي هذه الحلقة يتناول شهادته المفكر القومي ساطع الحصري .
الشيخ الطنطاوي :
-
ساطع الحصري مفكر فتنة القومية التي لم يأتِ منها إلا أننا كنا أمة واحدة فصرنا جمعية أمم ، وكنا أخوة في الإيمان فصرنا أعداء تفرقنا الدعوة الجاهلية !
-
القومية دعوة غربية تفصل بين الدين والعلم والسياسة وتصلح لهم .. أما الإسلام فهو دين تشريع قانون دولي وأخلاق وصلة بين الأفراد ببعضهم وصلة الأفراد بالدولة.
ويستطرد : ساطع من هؤلاء، دفعه ما يتمتع به من أخلاص ورغبة في رقي الأمة العربية إلى الإيمان بالفكر الداعي إلى فصل السياسة عن الدولة ، والدولة عن السياسة ، وتعميقاً للفكر القومي ، ولكن علي الطنطاوي – يرحمه الله – الإسلامي النزعة ، أبداً لم يكن يؤمن بهذا الفكر ، وإن كانت نواه سليمة ، ولكن لماذا ؟
يجيب عن هذا – الشيخ الطنطاوي – بقوله الذي يعد شهادة منه على هذا الفكر ودعاته ، وعلى ساطع الحصري عامة : ” ونحن نقر بهذه المباديء الغربية التي تقول بفصل الدين عن العلم ، والدين عن السياسة ، إنها صحيحة بلا شك ، ولكن بشرط أن نفهم معناها عند من وضعوها ..
ويستكمل د . بكري نقلاً عن الطنطاوي : إن الغربيين الذين وضعوا هذه المباديء يقصدون بالدين ما يحدد صلة الإنسان بالله فقط ، ومن هنا قالوا ” الدين لله والوطن للجميع ” ونحن نقول مقالتهم ، ونفصل بين الدين الذي هو الصلاة والصيام ، أي العبادات ، وبين السياسة والعلم ، وإن العبادات لا تتبدل بتغيير السياسة ، وتبدل نظريات العلم ..
ويوضح الشيخ الطنطاوي : ولكن الإسلام ليس فقط يحدد صلة الإنسان بالله ، بل هو دين وتشريع وقانون دولي وأخلاق ، وهو يحدد صلة الأفراد بعضهم ببعض ، وصلة الأفراد بالدولة ، وصلة الدولة بالدول الأخرى ، ويرسم طريق الأخلاق والسلوك ..(1)
ويعلق د . بكري قائلاً : هذا من حيث الموقف العام من هذا الفكر الإصلاحي النهضوي ، فإذا خص الحصري بحديثه خصه على أنه الرائد والمؤسس لفكر أراد أن يبني فهدم ، وأن يقوي فأضعف ، وأن يصلح فأفسد .. يقول : وكان – أي ساطع الحصري- العقل المفكر لفتنة القومية التي لم يأت منها إلا أننا كنا أمة واحدة ، هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فصرنا جمعية أمم ، وكنا أخوة يجمعنا الحب في ظلال من الإيمان ، فصرنا أعداء تفرقنا هذه الدعوة الجاهلية .. ولقد أفسد مناهج سورية لما دعا بعد الاستقلال لإصلاحها ..(2) .
طالع الحلقة الثانية :
شهادة الشيخ علي الطنطاوي في شكيب أرسلان
وفي قراء لخطاب الطنطاوي يوضح د .بكري : هكذا ينبع موقف الطنطاوي من الحصري من فكره الإسلامي المعتدل لا المتطرف ، لهذا لم يهاجم شخصه ، بل فكرته ، ووضح بعقل وهدوء سلامة هذا الفكر في موطنه الأصلي ، وغربته في أرضنا ..
والواقع ، بعد حوالي قرن من الزمن ، أثبت ضعف الفكر القومي ، وخطره على الأمة ، وعدم مناسبته للعرب ، إذ لم يؤت إلى اليوم بثمرة واحدة ناضجة تنفع الناس ، ولكنه نجح في تقوية الفرقة ، وتعميق الشتات ، لأنه فكر أشخاص يؤمنون به لمصالحهم ، او مصالح جماعاتهم الضيقة ، وشخصياتهم الأنانية السقيمة.
ويختتم د .بكري الفقرة بقول : الأمر الذي يؤكد موقف الطنطاوي ، وسلامة فكره ، وصحة نقده ، لأن الفكر القومي الوطني يساوي بين الناس ، ولكن بعيداً عن الدين ، أي يساوي بين المؤمن والكافر ، وأياً كان دين أو عقيدة هذا الكافر ، ” فيكون أبو لهب و أبو جهل أقرب إلينا من بلال وسلمان ؟! كلا ولا كرامة “.
نقلا عن تراثنا العدد 82
أضغط الغلاف للمزيد
يتبع لاحقاً ..
هامش
1- الذكريات:5 /279-280
2- الذكريات : 1 / 65-66
نقلا عن تراثنا العدد 82