1909 – 1999م
الطنطاوي شاهد على رجال عصره (الحلقة 4)
تراثنا – د . أحمد بكري عصلة * :
في كتابه (الطنطاوي شاهد على عصره ورجاله)، يسطر أ . د أحمد بكري عصلة – يرحمه الله – شهادة الشيخ علي الطنطاوي على شخوص عصره، وفي هذه الحلقة يتناول شهادته المفكر السوري المسيحي فارس الخوري .
-
النقاد صوبوا سهامهم صوب الطنطاوي لأنه قال : فارس خوري أستاذي ولكن آخر مسلم في الأرض هو أقرب إلي منه ، فشكره الخوري وأكبر فيه موقفه !
-
كان وديعاً وظريفاً حليماً واسع الصدر ولكنه كان كالجبل الوقورعلى ظهر الفلاة لا يهزه شيىء أعصابه هادئة فيسد المسالك على خصمه بمنطقه وحكمته .
في مقدمته ، يعرّف د . بكري المفكر الخوري بأنه ذلك المفكر المسيحي الكبير ، الوطني الحقيقي الذي لا يعرف الفرقة بسبب الدين بحق ، ولا يتخذ من ذلك وسيلة إلى أهداف عظيمة أو حقيرة .. ولكنه يعمل لصالح سورية .
ويشير إلى أن الشيخ علي الطنطاوي -يرحمه الله – عرفه عن قرب ، واعترف له بالفضل ، بل عظم فضله عليه ، وقال فيه ما يقله في أحد من أساتذته ، ووصفه بأنه أحد عباقرة العرب في هذا العصر علماً وثقافة وفكر ، وكثير الإطلاع .
الخوري وآخر مسلم
وينقل عن الطنطاوي شهادته بقوله في أحدى الخطب :” كان استاذي ، استفدت منه ، وقدرت فضله ومدحته ، ولكن آخر مسلم في آخر الأرض أقرب إلي منه ، مما جر عليه نقد الناقدين وسخرية الحاسدين .. إلا فارس الخوري نفسه ، قال له حين رآه بعد أن نشرت الصحف ذلك كله : “لا عليك ، لقد جهرت بحكم دينك ،وهذا ما أكبره فيك ، وجعلتني أقرب النصارى إلى الإسلام ،وهذا ما أشكرك عليه “(1).
صاحب حجة ونكتة
ويصفه الطنطاوي بلسانه قائلاً :” عرفت فارس الخوري عن قرب، فرأيته رجلاً وديعاً ظريفاً حليماً واسع الصدر ، ولكنه كان – مع هذا كله – هائلاً مخيفاً ، تراه أبداً كالجبل الوقور على ظهر الفلاة ، لا يهزه شيء ، ولا يغضبه ولايخرج به إلى الحدة والهياج ، يدخل أعنف المناقشات بوجه طلق ، وأعصاب هادئة ، فيسد على خصمه المسالك ، ويقيم السدود ، ومن المنطق المحكم ،والنكتة الحاضرة ، والسخرية النادرة ، والعلم الفياض ..
ومن الملامح المهمة التي ذكرها الطنطاوي لهذا المفكر الكبير ، أنه حين كان يدرسه في كلية الحقوق ، كانت له عادة عجيبة هي ان يأخذ قلم الرصاص طويلاً فيقيمه على قاعدته،وهو يسقط ، وهو يداريه ويعاوده حتى يستقر ، وكأنه يكره أن تبقى يده بلا عمل فهو يشغلها به!!
مناصب رئاسية برلمانية ودولية
وشهد له أيضا بروعة دروسه ، وعلمه ومشاركته في مناقشات مجمع اللغة العربية ، حين كان يزور رئيسه محمد علي كرد ، وحين صار رئيس مجلس النواب شهد له بالأستاذية والاقتدار ، فقد كان النواب بين يديه كالتلاميذ ..
وحين صار رئيس الوزراء ، شهد له الطنطاوي بأنه بقي كما هو ، المبتسم الهاديء المتواضع صاحب النكتة ..وكذلك حين كان مندوب سورية في مجلس الأمن الدولي ، ودافع عن سورية أيام الأحتلال الفرنسي ، وكانت مواقف لا تنسى ، كما دافع عن مصر .
ولعل أجمل ما قاله فيه حين ترأس مجلس الأمن عام 1947 م ، ” لقد شهدت صحف الدنيا بعبقرية فارس الخوري ، ورأت فيه شخصية ضخمة لا توزن بها الشخصيات ، حمل أعباء رئاسة مجلس الأمن ، فكان من أفضل رؤسائه وأقواهم ..”.
مواقف طريقه
وعن شخصيته الفكهة المرحة ، قال عنه الطنطاوي : “ان الخوري ذهب مرة إلى كواء ليكوي طربوشه ، فطلب منه أجراً يزيد عن المعروف ، فقال : ولم الزيادة ؟ قال : لأنك لن تجد عند أحد غيري مثل هذا القالب ،فرد عليه الخوري ، وأنت لا تجد عند غيري مثل هذا الرأس “.
ومن طرائفه ، يروي أن طالباً ثقيلاً سأله : ما فائدة هذه الحروف اللثوية ؟ ولماذا نخرج ألسنتنا ونضطر إلى هذه الغلاظة عند لفظها ؟ فأجابه قبل أن يتم سؤاله ، لا فائدة لها أبداً ، وسنتركها فنقول : كسر الله أمثالك !
هامش :
1- الذكريات:204/2 ط 5 .
يتبع ..
نقلا عن تراثنا العدد 82
أضغط الغلاف للمزيد
هامش :
1- الذكريات:204/2 ط 5 .
تواصل مع تراثنا