تراثيات زمان
مقتطفات من مجلة تراثنا
تراثنا – التحرير :
منذ نحو 27 عاماً في (1996م) ، استهل د . محمد بن إبراهيم الشيباني أول أفتتاحية يكتبها بقلمه للمجلة الوليدة حينها تراثنا بصفته رئيس تحريرها ، بتعريف كشف فيه المقصود ب (التراث) وأهميته في حياه الأمم والشعوب ، باعتباره لبنة لا يقوم المستقبل الواعد إلا بالارتكاز عليها أولاً.
(التراث) ليس جامداً .. لو كانت هذه الكلمة جامدة ، لما سعى االآثاريون في القديم والحديث إلى التنقيب عنه ، ورصد الميزانيات الضخمه له ، والهّمْ في ذلك اكتشاف ما لم يكتشف من حضارات الأقدمين ، وما كانوا عليه من المعايش المختلفة من ملك وعلم وحرف وصناعات متنوعة بحسب الإمكانات ، وقد يفوق عقول علمائهم عصرهم كما في كثير من العلماء المسلمين الذين ندرس اليوم ما تركوه لنا من ميراث غض طري يصلح إلى ما بعد قرننا ، وقرون أخرى قادمة .
اهتمام الغرب جامعات ومراكز بحث باكتشاف الحضارات ليست الجدوى منه معرفة المكان الجغرافي لتلك الحضارة ، والمقارنة فيما بينها فقط ، إنما السر في البحث والتنقيب تلك الاكتشافات التي تضيف إلى العلوم الحديثة شيئاً جديداً في عالم الحياة والإنسان والدين في تلك الحقب.
التراث ، كل ما يرثه الإنسان من أسلافه من ماديات ، كما قال الشاعر سعد بن ناشب :
فإن تهدموا بالغدر داري فإنها
تراث كريم لا يبالي العواقبا
وهو موصول الخلف بالسلف ، ولا تناقض بينهما في الوصل والتقدم والحضارة ، بل الانقطاع عنه تكسير قاعدة الانطلاق إلى الحضارة والتقدم والنهضة.
لم يقل أحد من علماء هذه الأمة في العهود السابقة – جيلاً بعد جيل – أن القرن الذي كان قبلهم تأخر وتخلف ولا بد من قطع الصلة به ، وإنما جعلوه موصولاً بهم ، يستمدون منه قابليتهم وهويتهم ، كما قال أحد العلماء : “لا يمكن لنهضة أن تتحرك من غير أن يكون لها إطار يحفظ لها أصالتها وقيمتها وكيانها ويعطينا للحركة إلى الأمام ، هذا الاطار المضيء هو التراث المتصل بالميراث النابع منه” .
ميادين مختلفة محكمة خاضها علماء الأمة في مفاهيم العلوم والمعرفة بعد معرفتهم لعلوم الإسلام الثابتة التي انطلقوا من خلالها ، فقد رسموا للعالم الإسلامي وغيره في العصور الماضية المناهج التجريبية ، ومناهج التحقيق العلمي ، فطاروا بأجنحتها وشعث شمسهما في الأرض ،فكانت خير سفير لأمة تستحق ان تعيش أمة متحررة من التبعية لأي أمة أخرى ، لأنها أمة الرسالة المحمدية الخالدة التي لا تحتاج إلى غيرها ،إذا هي وعيت دورها العلمي بين الأمم ، وما ينبغي لها اليوم أن تراعيه ، وتحسب حسابه ، وتسترد منه ما تستطيع، ثم لا بأس من دراسة ما كتبه المستشرقون عن ديننا ولغتنا وتراثنا ، لنأخذ ما صح منه ونترك ما لا يصح .
واليوم .. ونحن نصدر مجلة تعني بشؤون التراث الإسلامي والعربي والشعبي المتنوع نكون قد مضى علينا ونحن في هذا الحب له أثنان وثلاثون سنة (1964م) ، تبلور في إنشاء مركز(مركز المخطوطات والتراث والوثائق) يعني بجمعه وتذليله لطالبيه والساعين له في مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك قبل ستة عشر سنة 1981)م .
احتاج هذا العمل المتواصل – الحب والعمل للتراث – أن يكون له إعلام يظهره للعالمين ، فكانت هذه الثمرة (مجلة تراثنا) المولود الصغير الذي يريد أن يكبر بعقله لا بجسمه ، ليروي ظمأ المتعطشين للسير في طريق التراث ، صحيح أنه يبحث في الموروث الماضي ، ولكن عينه تنظر بكل ثقة إلى آفاق المستقبل الرحب.
ومن الله نستمد العون .
محمد بن إبراهيم الشيباني
رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
نقلا عن تراثنا – العدد الأول