دعوة للتعرف على أسباب العزوف عن القراءة
تراثنا – د .محمد بن إبراهيم الشيباني * :
يستطيع الواحد منا أن يعطي حكماً على مدى إقبال كل شعب من شعوب الدول العربية على شراء الكتب المتنوعة وقراءتها وذلك من خلال المشاركات في المعارض السنوية التي تقام فيها .
د . الشيباني
-
التّدين كان سبب من أسباب زيادة الاقبال الملحوظ على الثقافة وقراءة الكتب في أوائل السبعينيات حتى أواخر الثمانينات ثم بدأ بالتراجع !
-
انحسر سوق الكتاب والقراءة بانصراف أبناء الصحوة الإسلامية إلى خوض غمار السياسة والمكوث في المجالس دون طائل او فائدة علمية .
-
كثير من طلاب العلم باعوا مكتباتهم التي تضم مئات بل الألاف الكتب التي كانت عزيزة عليهم أوأهدوها أو تبرعوا بها لجمعيات خيرية لانشغالهم في أمور أخرى !
وللإقبال على شراء الكتب وقراءتها أو تجميعها أسباب منها : التدين فقد بدأ الشباب في الكويت من الكويتيين والجنسيات العربية والإسلامية بالتوجه إلى الالتزام الديني منذ أوائل السبعينيات إلى أواخر الثمانينيات وهذا يقتضي منهم الاتجاه إلى العلم ومعرفة علوم الإسلام المتنوعة ، فانتشرت معارض الكتب الجانبية غير معرض الكتاب الدولي السنوي الذي يشرف عليه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب .
ويواكب انتشار سوق الكتاب مجالس العلم ومنتدياتها بسلبياتها وإيجابياتها ، حلوها ومرها ، أي فهم الدين كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه، وفهمه عند جماعة بالمغلوط ،وتكفير الناس ، والأفكار المنحرفة وغيرها من تشنجات وتعصبات .
ظاهرة مكتبات المنازل
المهم من كل ذلك أن أغلب الناس كان اتجاههم نحو العلم والمعرفة ، وفي هذا ما يدفعهم إلى شراء الكتب وتكوبن مكتبات كبيرة وضخمة في البيوت في تلك الأعوام من قبل شباب الصحوة الإسلامية ، احتوت مئات الكتب ، بل الآلاف ، ولكن الأمر اليوم اختلف ، فقد ضعف هذا الإقبال ولم يعد للكتاب قيمة عند الأغلب ، وذلك يعود لانحسار الدعوة الإسلامية أو تحولها من العلم والمعرفة والتثقيف المتنوع إلى السياسة والخوض في غمارها .
وهذا يقتضي أن تتحول هذه المجاميع أو الجماعات إلى أساليب علمية جديدة ، ليس احد فارسها ، فتوقفت تلك المجاميع المرؤوسة أو الطلابية عن العلم – إلا من رحم الله – فانحسرت سوق الكتاب ، ومن قبله دور العلم ومنتدياتها ، وخف الطلاب المهتمون بالعلم ، بل تقلص دور الشيخ وتعليمة لتلك المجاميع وضعفهم ، وصار اندفاعهم إلى الاتجاهات الجديدة ،وإلى قضايا قد تكون هامشية لا فائدة منها مثل المكوث في الديوانيات (المجالس) كثيرا، دون طائل أو فائدة علمية او ثقافية ترجي، أو قضاء أوقات طويلة في مشاغل أو أعمال لا فائدة منها ترجي في الدنيا والآخرة .
هذه الانشغالات الجديدة للكثيرين من شباب الصحوة جعلهم يصدون عن العلم والمعرفة ،وصارت مكتباتهم خاوية عروشها بل أن ممن كان مهتما بها ، وكانت مكتبته عزيزه عليه ، اهداها أو باعها ، أو تبرع بها لهيئات أو جمعيات خيرية ،وهو الأفضل لطالما أنه لا يستفاد منها .
الأيدولوجيات المختلفة
وعوداً على بدء ، قبل الصحوة كان هناك اتجاه عند الشباب الكويتي ، أي في أعوام الستينيات بقراءة كتب القومية العربية والوطنية واليسارية والبعثية وغيرها من الايدولوجيات التي كانت حاضرة في الساحة بأربابها ومنظريها ، مما أثر في الشعوب العربية ، ومنها الخليجية بشكل عام ،والكويت بشكل خاص ، فاتجه الشباب إلى التثقف بتلك العلوم والأفكار ،فكان لها سلبياتها وتأثيرها فيهم ، مما حدا ببعضهم أن يقوم بأمور لا فائدة منها أو صدامات كانت نتائجها غير مرضية وخاسرة .
بناء الشخصية والقراءة
الكتاب عند قراءته ، أي كتاب ،وفي أي علم واتجاه ، يحتاج إلى قاعدة صلبة في نفس قارئه ، حتى لا يتأثر صاحبه بكل كتاب يقرأه ،وفي أي لون وعلم واتجاه ، بل عليه أن يبني شخصيته في اتجاه معين حتي يعرف بماذا ينادي هذا الكتاب ، فيكون ناقداً له ، أو محللاً لبنوده وفقراته ، فيكون هو الحكم على الكتاب ،وليس الكتاب هو المهيمن على شخصيته ،وهذا كما نوهت لا يتأتى إلا لأصحاب المبادئ المبنية على فهم الدين الفهم الصحيح القائم على الأصلين : الكتب والسنة وفهم سلف الأمة للنصوص .
لقد أنشأ المجلس الوطني للثقافة والفنون ولآداب لجنة خاصة بالكتاب والقراءة ،و دعا لها أساتذة وباحثين ، ليناقشوا أسباب ذلك العزوف ، محاولين البحث في أسبابه وطرح الحلول الناجعة لمعالجته بكل الوسائل التقليدية المتوفرة اليوم ، فمناقشة العزوف عن القراءة طاهرة غربية عامة ، وفق نسب مختلفة على حس الدولة واهتماماتها والشعوب ، وتوفر المكتبات وبالأساليب المرعية والسهلة .
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
مجلة تراثنا – العدد 17
تواصل مع تراثنا