الحلقة 14
سوالف من الشرق والغرب
تراثنا – التحرير :
قال الكاتب سمير الشيخاني * : ” في يقيني أن لا شيء يحل محل النادرة اللطيفة ، فهي تقرب منا أولئك الذين يجعل البعد منهم أناساً عظاماً ، أو أناساً مشوهين ، انها في الواقع ، الرسوم التي تزين مجلداً ضخما .” التاريخ الصغير ” .
في الحلقة 14 ، يستعرض المؤلف مصير سيء لحق بعدد من الملوك والزعماء عبر التاريخ ، انتقت تراثنا جانب منها من الصفحات (79 -81) ، جمعها المؤلف تحت الباب التالي :
عظماء .. ومصير حقير !
هنيبعل ينتحر بالسم
كان هنيبعل من أسوأ الرجال حظاً في التاريخ القديم ، إلى كونه أعظم القادة العسكريين الذين عرفهم العالم .
دحر الجيش الروماني وأقام في إيطالية عشر سنين ، منتظراً أن يملي شروطه على العالم ،وبلغه نعي أخيه بعد إنهرام جيشه على يد القوات الرومانية في أسبانية بشكل مروع ، إذ ألقى أمامه أحد قادة أعدائه ، وهو في معسكره ، برأس أخيه .
وكان لهذا المشهد أبلغ الأثر في نفس القائد القرطاجي العظيم ، ومنذ ذلك اليوم لم يعرف النصر .. فلما غُلبت قرطاجة على أمرها سنة 202 قبل الميلاد ، وعقدت صلحاً مع الرومان ، اتهمه هؤلاء فيما بعد بأنه يتآمر على السلام ، فاضطر إلى الفرار إلى سورية .
فلما احتل الرومان هذه البلاد كان في جملة شروط الصلح استسلام هنيبعل ولكنه نجا ولجأ إلى بلاط بروسياس ، ملك بثينا ، وكان من الطغاة القلائل الذين لم يقعوا بعد تحت سيطرة رومة .
ولكن بروسياس خان هنيبعل سنة 182 م ، فلما رأى هذا منزله محاصراً بالجنود انتحر بتجرع السم الذي يحتفظ به في خاتمه من زمن طويل .
ملك يقضي غرقا
والملك الأخر الذي اشترك في الحروب الصليبية كان فريدريك الأول ، الملقب ب “بربروسا” ، أمبراطوار الغرب (1122 -1190م) ،كان ملكاً على المانية سنة 1152 م ، وتوج ملكاً على بريطانية سنة 1155 م ، ثم إمبراطورا في السنة نفسها .
ثم قام بعدد من الحملات العسكرية في إيطالية ، ودمر ميلانو سنة 1162م ، ولكنه هُزم في معركة ليغانو سنة 1176 م ، وقد اشترك في الحملة الصليبية الثالثة ، وهب بجيش ضخم مزود بالعتاد الحربي الهائل واقتحم المصاعب الجمة التي اعترضت تقدمه ، إلا إنه غرق في أحد الأنهار في قلقيلية ، في آسيا الصغرى ، على الرغم مما كان معه من أسلحه ووسائل حربية ، وما كان يرافقه من قادة وجنود .
بداية سيئة ونهاية أسوأ
قبل أن تدير أميركة ظهرها للمك جورج الثالث ، تلقي صاحب الجلالة البريطانية ازدراء آخر لا يليق بأن يُذكر في أي كتاب من كتب التاريخ ، فقد حدث ذلك سنة 1761 م ، وخلال المأدبة المشوشة التي أقيمت لمناسبة تتويج هذا الملك .
أما بطل هذا الحادث فكان اللورد تالبوت ، القهرمان الأكبر الذي كانت تعوزه الخبرة – ذلك بأنه لم تكن قد جرت حفلة تتويج منذ أربع وثلاثين سنة – فضلاً عن أنه لم يكن على جانب كبير من الذكاء ، على حال ، فلما شارف الموكب الملكي على دخول قاعة وستمنستر، اكتشف أحدهم نسيان وضع “مقعد الدولة” اللذين سيجلس عليهما الملك والملكة .
ولما تم جلبهما ، بعد تأخير بضع ساعات ،دخل الموكب القاعة وسط الظلام ، ذلك بأن الشمعدانات التي تحمل الألفي شمعة لم تكن قد أضيئت بعد ، فلما سطع النور تكشف هزال المأدبة ، لأن تالبوت لم يأمر بإحضار كمية كافية من الطعام .
غير أن الأسوأ لم يكن قد حدث بعد ، فالتقاليد كانت تقضي بأن يصل القهرمان الأكبر – تالبوت – على صهوة جياده إلى داخل القاعة لتقديم مجالس التكريم ، ودُرب جواده على الانسحاب إلى الوراء بعد أن يكون تقدم من الملك مواجهة .
ولكن الحصان اضطرب ،وراح يدور حول الملك ، وعلى الرغم من الحاح تالبوت في جذبه بعنف ، أ دار مؤخرة إليتيه إلى مائدة الملك !
وهكذا بدأ الملك المسكين حكماً طويلاً ولكن غير سعيد ، وكان العاهل البريطاني الوحيد في تاريخ إنكلترة الذي اصبح مجنوناً رسمياً .
يتبع لاحقا ..
هامش :
* المؤلف : سمير شيخاني ” يرحمه الله ” : مؤرخ وأديب لبناني (1923 -1996 م) رئيس الدائرة الثقافية في لبنان “إذاعة لبنان” له مئات الأبحاث والمقالات والتحقيقات المنشورة في كبريات الصحف اللبنانية مثل النهار والبيرق وغيرها ، وله 47 كتابا، ،
طالع الحلقة 13 :
ملك يقضي 20 ساعة على صهوة الحصان
كاتب وكتاب
مقتطفات من كتاب (التاريخ الصغير ) ،لمؤلفه سمير شيخاني ، يقع في 266 صفحة حجم وسط ، طبعة عام (1403 هجرية – 1983م ) مقتنيات مركز المخطوطات والتراث والوثائق بالكويت ( قسم المكتبات الأهلية ) : مكتبة الوقف المهداة من ورثة ( الشيخ عبدالله الخضري -يرحمه الله ) .
تواصل مع تراثنا