صيانة الورق وترميمه
تراثنا – كلاوديا غورديان * :
يوم فاض نهر أرنو في نوفمبر من عام 1996 م ، وخرّب كميات هائلة من الأعمال الفنية بفلورنسة ، أصيب عالم الفن بما يشبه الصدمة ، فقد تضررت الأعمال الفنية بدرجات متباينة بعدما غرقت ف حمام الوحل الذي خلفه النهر .
أما التماثيل الرخامية والبرونزية فقد أمكن عرضها بعد غسلها بالماء غسلا ًجيداً ، ولكن ماذا كانت حال الرسوم واللوحات المنقوشة على المعادن ، والخرائط القديمة للأرض والسماء ، والمخططات الرقيقة التي صممها رفائيل وميكال انجلو ، التي كانت محفوظة في الخزائن ؟
فما انقضت ساعات على الطوفان حتى كانت هذه أصيبت بالبقع الناشئة عن الرطوبة ، والتصق بعضها ببعض ،وتعفنت ، وصارت – بعدما أصبحت في اكثر الأحوال كالطعام المهروس – أكلاً سائعاً للجرذان والفئران ، والحشرات الآكلة للورق وسواها من الحشرات ، لتفتك بها آخر الأمر البكتيريا والفطريات .
وما كان يجدي الترميم إزاء هذا التلف السريع ، وما كان ثمة من الطرق الفنية ، والمعرفة العلمية ،والخبراء بسبل عرج الورق التالف سوى قليل ، وهكذا ، نشأ عن تلك الكارثة الفنية في مقاطعة توسكانا ، اضطراراً ، باب جديد من أبواب الاختصاص ، ترميم الورق والرسوم ن والكتب .
فصرت تجد اليوم ، إلى جانب ترميم الأثاث واللوحات الزيتية ، ترميم الورق وقد صارت باباً مستقلاً من أبواب الترميم ، فيُعجب الناس لذلك ، بل إنهم يُعجبون أن هم علموا أنه يمكن ترميم الورق ابتداءً !
ورداً على كارثة الأرنو ، أعد الأستاذ اوتو فيشتر من فيينا ، دروساً في ترميم الورق بأكاديمية الفنون التشكيلية ، يتدرب الدارسون فيها على العناية بوثائق المكتبات والمتاحف الكبيرة ، وبوثائق المجموعات العامة والخاصة ، وكذلك على التدخل في الأزمات التي تقتضي ذلك ،وقد صار بألمانية اليوم “حينذاك” ما يقرب من ثلاثمئة وثمانين مختصاً بترميم الورق والكتب .
وفي فيينا ، حمى المرمم غونتر مولر في أوائل الستينيات الكنوز المفتتة بمكتبة الجامعة من التلف ، بأن كان يلصق على الورقة المهترئة من وجهها ورقاً مقوى عليه طبقة من الجلاتين ، ثم يشق الورقة القديمة المراد ترميمها ،ويُدخل فيها ، تقوية لها ، ورقاً خاصا بالغ الدقة ،ويلصق الورقة القديمة به من الوجهين بالصمغ ، ثم يفك الورق المقوي ذا الطبقة الجلاتينية من الخارج.
واخترع بذلك طريقة يينا في شق الورق ، فكانت تجديداً ثورياً في ترميم الورق ، استخدم أول الأمر لترميم مخطوطات باخ ، من أجل التخفيف من أثر اهتراء ورقها بفعل الحبر ، وتتطلب هذه الطريقة ممارسة يومية تقريباً ،ومهارة بالغة ، غير أنها طريقة ناجعة في ترميم الورق البالغ من الاهتراء مراحل بعيدة.
وكان من معارف غونتر مولر أستاذ اللاهوت بجامعة يينا اسمه هورت بابنتكر، وكان جماعاً للكتب ، وكثيراً ما كان يرافقه في زياراته لمولر ابنه كريستيان ، ويوم رأي الابن عمل مولر ، استقر عنده أمر المهنة التي ينوي العمل بها مستقبلاً ، فتعلم أول الأمر مهنة تجليد الكتب بفايمار ، وفيها أيضا صار مرمماً للكتب ،وهو يملك اليوم مع روث هينريكس معرضاً لترميم الكتب والرسوم بهامبورغ .
يتبع لاحقا ..
* المصدر : صحيفة فرانكفورتر الغمايته تسايتونغ ، بتاريخ 15 أغسطس 1978 ، تنشرها تراثنا بالاتفاق مع مجلة “فكر وفن” الألمانية العدد (74) .
احصل على البحث كاملا تحت عنوان (صيانة الورق)
أنقر تراثنا – العدد 23
تواصل مع تراثنا