الهوس بالكتب لدى الأولين خلق حضارة أمتنا الإسلامية
تراثنا – كما يقول الناس اليوم من القراء وغيرهم… تم شراء الكتاب الفلاني بألف دينار أو خمسمئة دينار أو مئة دينار ، أو طُبع منه آلف النسخ وبيع في السوق بإعداد كبيرة ، أو بيع في السوق السوداء بقيمة خيالية نظراً للطلب عليه ، كانت هذه الظاهرة موجودة في الأزمنة الماضية ، أزمنه التدوين والتصنيف وانتشار العلم وأهله .
-
دعي ابن حجر العسقلاني العلماء والمحدثون وطلاب العلم إلى وليمة على شرف بيع كتابه ( الفتح ) بأربعمئة دينار !
-
البرقاني يسأل ألله أن ينزع عن قلبه شهوة حب الحديث الذي شغل به ليلاً ونهارا ً.
-
الحموي : في مدينة مرو مكتبة كنت أربع فيها واقتبس من فوائدها ما انساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد .
لما صنف الحافظ أحمد بن عبدالله الأصبهاني ( أبو نعيم ) ت 430 هجرية .. كتابه “حلية الأولياء ” حمل الكتاب إلى نيسابور حال حياته ، فأشتري بأربعمئة دينار .
وهذا ابن حجر العسقلاني المصري المحدث المعروف صاحب كتاب ” فتح الباري في شرح صحيح البخاري ” عندما انتهي من تأليف كتابه هذا في عشرين سنة ، تم شراءه في مصر بثمن أربعمئة دينار في ذلك الوقت ، فأقام وليمة كبيرة دعي إليها العلماء والمحدثون وطلاب العلم وكانت حديث الناس في مختلف الأمصار .
ذهبت تلك السُنة الطيبة وهي الفرح بالانتهاء من تصنيف الكتاب المعين والدعوة إلى وليمة شكراً لله وتحديثاً بنعمه على إتمامه والطلب منه عز وجل إفادة الناس منه ، وادخار الأجر والفوز بالحسنات عنه ، لأنه واهب النعم و موفق العبيد إلى أقوم المراتب وأحسنها .
هل تعود تلك الأيام الخوالي وتعم البلاد والمعمورة بأمثال أولئك الذين يقدرون العلم واغتنام الأوقات والأزمنة خدمة للدين واللغة والأمة ؟ هذا ما نسأله سبحانه وتعالي ونلح عليه بالدعاء .
هوس حب الكتب
” قدر ابن شاكر قيمة كتبه بخمسين ألف دينار “
والبرقاني كما ذكر عنه الخطيب ” وسمعته يوماً يقول لرجل من الفقهاء قد حضر عنده : ادع الله أن ينزع شهوة الحديث من قلبي فإن حبه قد قلب علي فليس لي اهتمام بالليل والنهار إلا به ” .
والأمام البيساني العسقلاني ( ت 596 هجري ) قال عنه ابن خلكان : ” و بلغنا ان كتبه التي ملكها بلغت مئة ألف مجلد وكان يحصلها من سائر البلاد “وله أخ ولع بالكتب مثله كما ذكر الذهبي في سيره ” له هوس مفرط في تحصيل الكتب عنده نحو مئتي ألف كتاب “.
وياقوت الحموي (ت 626 هجري ) يقول عن مدينة مرو في ذلك الزمان ” وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة ..وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مئتا مجلد واكثر بغير رهن تكون قيمتها مئتي دينار فكنت أربع فيها واقتبس من فوائدها وانساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد واكثر فوائد هذا الكتاب ” معجم البلدان ” وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن .
وبعد ، فهذا الجمع والحرص والوله بالكتاب انتج حضارة عظيمة امتدت قروناً وقروناً لازال العلماء وأهل الفكر والثقافة والدين ينهلون منها ، اكبر دليل على ما نزعم ذلك الكم الهائل من الدراسات العليا ” شهادات العالمية والعالمية العالية ” التي تقدم في الجامعات العربية والغربية في الدراسات المتنوعة مما تركه الأوائل من انتاج العلوم الانسانية المختلفة من طب وصيدلة وبيطرة وفلك وفقه وحديث وعقائد وعربية ..
هل يعود هذ الوله بالكتاب والهوس به اليوم إلى شباب الأمة لتعود إلى مصاف الدول الحضارية التي تقدم الخير للبشرية ؟ الله أعلم .
د . محمد إبراهيم الشيباني
رئيس التحرير