الحلقة الثالثة والأخيرة
شخصيات إسلامية
تراثنا – د. محمد التونجي :
هو العلاء بن عبدالله بن عباد بن أكبر الحضرمي ، واشتهر اسمه في كتب التاريخ بالعلاء الحضرمي ، أصله من حضرموت ، لكن أباه قدم إلى مكة وسكنها ، وحالف حرب أبن امية والد أبي سفيان ، فولد العلاء فيها ونشأ.
في الحلقة الثالثة والأخيرة ، تواصل تراثنا نشر فتوحات القائد العلاء الحضرمي بعد أسلم وحسن إسلامه ، حيث جئنا على ذكر فتوحات وحروبه في البر، ونستكملها في هذه الحلقة بحراً :
الحرب بحراً
حين استأذن معاوية عمر بن الخطاب في ركوب البحر ، كتب إليه يمنعه ، وختم قوله : (..وقد علمت ما لقي العلاء مني ، ولم أتقدم إليه في ذلك).
وهذا دليل على أن العلاء سبق معاوية في ركوب الجهاد ، إلا أن معاوية استجاب لأمر عمر فامتنع ، على حين أن العلاء لم يستجب فركبه ، فكان جزاؤه أن عزله عمر ، إلا أن عمر قدّر في العلاء إخلاصه، وجهاده ، واضطراره لركوب البحر ، فأعاده ثانية إلى إمارة البحرين .
فلقد قصد المرتدون إلى دارين فركبوا السفن إليها , فندب العلاء الناس حينئذ إلى “دارين” ، وخطب فيهم : ” إن الله قد جمع لكم أحزاب الشياطين وشرّد الحرب في هذا البحر ، فانهضوا إلى عدوكم ، ثم استعرضوا البحر إليهم ، فإن الله قد جمعهم ” ، فقالوا : نفعل ولا نهاب ، والله بعد الدهناء هؤلاء هولاً ما بقينا .
فاقتحم البحر على الخيل والأبل و الحمير ، وفيهم الراجل ، ودعا ودعوا معه ، وكان دعائهم : “يا أرحم الراحمين ، يا كريم ، يا حليم ، يا أحد ، يا صمد ، يا حي ، يا محيي الموتى ، يا حي ، قيوم ، لا إله إلا أنت ربنا ” .
واجتازوا مياه الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة ميثاء ، فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل ، وإن ما بين الساحل ودارين يوم ولية لسفن البحر ، فالتقوا واقتتلوا ، فظفر المسلمون وانهزم المشركون ، فلما فرغو رجعوا حتى عبروا ، فبلغ نفل الفارس منهم ستة آلاف ،والراجل ألفين ، وفي ذلك يقوم عفيف بن المنذر :
ألم تر أن الله ذلل البحر
وأنزل بالكفار إحدى الجلائل ؟
دعونا الذي شق البحر فجاءنا
بأعجب من فلق البحار الأوائل
وحين انتصر سعد بن أبي وقاص في القادسية ، وأزاح الأكاسرة أراد العلاء بعد انتصاره على أهل الردة ، أن يصنع شيئاً في الأعاجم ، كما فعل سعد ، وكان بين القائدين مباراة في الجهاد ، فندب الناس إلى فارس فأجابوه ، وفرّقهم أجناداً ، وحملهم في البحر إلى فارس ، بغير علم عمر ، وخرجوا إلى إصطخر – عاصمة فارس – وبإزائهم أهل فارس ، وعليهم الهربذ .
وحالوا بين المسلمين وسفنهم ، فقام خُليد – أحد رؤساء أجناد العلاء – فخطبهم ، ثم قال : .. أما بعد فإن الله إذا قضى أمراً جرت به المقادير ،حتى تصيبه ، وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم ، وإنما جئتم لمحاربتهم ، والسفن ، والأرض لمن غلب ، فاستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين “.
فـأجابوه إلى ذلك ، واقتتلوا بمكان يدعى طاووس ، فقُتل من الأعاجم مقتلة عظيمة ، ثم خرجوا يريدوا البصرة ، ولم يجدوا إلا الرجوع في البحر سبيلاً ـ وأخذت الفرس طرقهم فعسكروا وامتنعوا .
ولما بلغ عمر صنيع العلاء ، ارسل عتبة بن غزوان ، وكان في البصرة ، يأمره بإنفاذ جند كثيف إلى المسلمين بفارس قبل أن يهلكوا ، ونفذ عتبة مهمته ، ونجا المسلمون بقيادة العلاء ،وفتح الله عليهم ، فانضموا إلى البصرة ، عندئذ أرسل عمر إلى العلاء بعزله ويتوعده ، وعين قدامة ابن مظعون مكانه .
وأمره بأثقل الأشياء عليه ،وهو تأمير سعد عليه ، وقال له : الحق بسعد ، ثم إن عمر عاد ، فعفا عنه ، وأرجعه إلى البحرين .
أنقر للمشاهدة
كان العلاء – يرحمه الله – أول أمير مسلم على البحرين ، وأول قائد ركب البحر في سبيل الله ، وأولا من فتح جزيرة في الإسلام ، وأول من نقل أموال الصدقات إلى المدينة (انتهى ) .
نقلا عن تراثنا – العدد 5
احصل على النص كاملاَ
تواصل مع تراثنا