أكثرهم لا يعقلون
تكريم السفاحين ومرتكبي المجازر
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
أجمل الكلمات التي قيلت في القتلة ، قول ذلك الحكيم : ” النهاية في المتحاربين بعد الانتصار على أحدهما بالقتل والإبادة شرف ونصر وظفر وأوسمة ومفاخر ” !
تسمع هنا وهناك بجمعيات المحاربين القدامي يلتقون كل سنة ، أو يدعون إلى احتفال ما ، أو قل تكريماً ، وتراهم يحضرون بكامل زينتهم ، واعني بذلك ، منهم قد رصوا أوسمتهم التي نالوها على صدورهم ، وقد تزيد ، فلا مكان لها على صدورهم ، فتراهم قد وضعوها على الاكتاف والبطون !
من هؤلاء المحاربون القدامي ؟ وهل كل محارب قديم نزيه ، شهم ، نظيف ، انساني في قتاله ؟! وهل دافعه في القتال عن حق ووطنية وشرف محاربة وقناعة في تلك الحروب ؟!
أم هي القذارة التي تسمي “مدافعة” ، وهي انتهاك لكل الأخلاق والقيم الدينية والإنسانية ، حتى أنه إذا عاد بذكريات ومشاركته في تلك الحروب وافعاله ، لتقززت نفسه ، مما فعله من انتهاكات ، ولانتابه القرف والغضب من تدني انسانيته ، كيف كانت بهذه الانحطاط والإجرام ، عندما أباد بدم بارد النساء والاطفال والشيوخ ، ودمر وفجر كل بناء قائم ، من دور العبادة والعيادات والمشافي والمساكن الآمنة، هدها على رؤوس ساكنيها ، وكيف كان يقطع أصال المخالف له ،ويذبحه ذبح النعاج من الوريد إلى الوريد ؟!
المحاربون القدامي – إلا من رحم – إما متعصبون دينيون ،وإما مأجورون ، يلاحقون المادة في كل بقعة من العالم ،أي التأجير لارتكاب المجازر والجريمة ، يتلذذون برائحة الدماء ، فهي عندهم لا تزكم الأنوف، بل يعدونها عطراً فواحاً من العطور التي يحبها الناس ،ويتجملون بها في أوقات الترف والزينة .
المحارب القديم ، لماذا كان يدافع عن الباطل والزور والظلم ،وبعضهم عملاء وخونة حتى النخاع ؟
المحارب القديم المحظوظ منهم ، أو قل السعيد من يبكي على خطيئته من سوء أفعاله ، وكبائر اعماله ما تبقى من حياته ، وقد نقلت الانباء والأخبار وشاشات التلفاز ، ندم كثير ممن ارتكبوا مجازر جماعيه لشعوب عدة ، في فيتنام وكوريا وغيرها ، ومنهم الذين القوا القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي في اليابان ، يبكون لفظاعة ما ارتكبتهم ايديهم .
وبعض هؤلاء المحاربون القدامي النادمون يلجأون للتكفير عن فعلهم ، بانشاء مستشفيات علاجية من أثار الحروب ، او ينذر عمره للدعوة إلى السلم ومنع الحروب ونزع السلاح النووي والكيماوي وما شابه .
المحارب القديم ، كان يعاقر المسكرات وقت تعذيب الاسرى ، ويغتصبهم وبناتهم وزوجاتهم أمام ناظريهم ، وكأنه في عالم غير عالمه ، مغيب عن واقع ما يرتكبه ، من التلذذ اللا إنساني ، فالقوة حرمتهم العقل .
معظمهم مجرمون قتلة ، سفاحون لا إنسانية لديهم ولا ضمير ، وما أجمل قول الحكيم حين اختتم بها مقالته :” جشع المخلوق الغريب في سبيل الحكم والتسلط وغرور هذا الإنسان كله إلى .. التراب “.
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا