تراثنا : لا يستطيع كائن من كان أن يغير في التاريخ سواء كان ذلك التاريخ أسم مكان من الأمكنة أو أثراً أو أسرة من الأسر تملكت شيئا من الأشياء حاول أحدهم أن يغير هذا التملك بتملك جديد لحاجة في نفسه ، أو مرمى من المرامي العنصرية أو الدينية أو شيء من المصالح السياسية وغيرها .
مثاله : أثار العلامة أحمد زكي باشا في عام 1924 م موضوعاً من الموضوعات التاريخية المهمة ، وهو موضوع تسمية مكان في القاهرة تعود تسميته إلى عهد الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثاني بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ( خليج أمير المؤمنين ) إلى أسماء أخرى سأتكلم عليها في هذه المقالة لاحقاً .
سبب هذه التسمية يعود إلى عام الرمادة ( أي الهلاك من الجدب والقحط و المحل ) فتقدم الفاروق إلى عمرو بن العاص عامله في مصر ، بحفر الخليج الذي بحاشية الفسطاط ، فساقه من النيل ( أي من الموضع الذي تحتفل فيه مصر بموسم وفاء النيل إلى يومنا ) إلى ناحية القلزم فوق مدينة السويس التي كان بناؤها في أواخر القرن التاسع الهجري ، فاسترشد عمرو بن العاص برجل من الأقباط دله على مجرى الخليج الذي كان الفراعنة قد حفروه في سالف الزمان لتوصيل النيل ببحر القلزم ، وجدده القيصر أدريان الروماني ، وفي نظير ذلك كافأه عمرو بن العاص بإعفائه من الجزية … وفي خلال ستة أشهر انتهى الحفر من الخليج ، وفي الشهر السابع سارت السفن بالميرة والأقوات والأرزاق إلى القلزم ، وكانت تقطع المسافة في خمسة أيام ثم تعود موسوقة بالبضائع والسلع عن طريق الصين والهند واليمن وأرض العرب ، فتفرغها في عاصمة مصر ، أي الفسطاط .
لقد استفاد المسلمون ومن معهم من الأديان من هذا الميناء استفادة عظيمة واشتهرت مصر الإسلامية من خلاله ، والقصة طويلة حسبما ذكر العلامة أحمد زكي ، ولكن عندما جاءت الدولة الفاطمية ولبغض حكامها للخليفتين ابو بكر وعمر رضي الله عنهما بني العزيز بالله قصره المشهور ب ” اللؤلؤة ” على شاطئه وسمى الخليج ” خليج اللؤلؤة ” في محاولة لتناسى الاسم الأول ” خليج أمير المؤمنين الفاروق ” .
ولما جاء الحاكم بأمر الله سنة 402 هجرية تناسى الناس الاسم الجديد ” خليج اللؤلؤة ” و ذلك بهدم الحكام بأمر الله القصر ، فاختلقوا اسماً جديداً له ليس له مبرر ولا مسوغ ” أحمد زكي ” وصار منذ ذلك اليوم يكتب بالحجج الوقفية وغيرها الاسم الجديد ” الخليج الحاكمي ” فكتب العلامة أحمد زكي بريد إرجاع الاسم الأصلي الأول للخليج بقوله ، مخاطباً أهل الشرع : فالأمانة التاريخية والحقيقة الواقعية تقضي عليهم بإهمال وصف الخليج ب “الحاكمي ” بل إهمال ذكر الخليج بالمرة والاكتفاء بذكر الوفاء واستحقاق الخراج ” .
ثم جاءت الموافقة بإهمال “الخليج الحاكمي ” في حجتهم التي ردوا فيها على العلامة احمد زكي شاكرين له صنيعه العلمي والتاريخي .
فرد عليهم العلامة بقوله : ” لذلك حق لهم الشكر ، وكذلك يجب على أهل العلم والحجى أن ينزلوا على حكم الحق متى ما تبين لهم : فلعل أرباب الأقلام وقادة الرأي العام يحتذون هذا المثال وهو مثال الكمال ” .
والله المستعان …
د .محمد بن إبراهيم الشيباني
رئيس تحرير تراثنا
الصفحة الرئيسية تراثنا
الإشتراك في ايميل خدمة تلقي الاخبار
التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء ادناه