من كتاب (أرض النخيل) الحلقة (3)
الكويت في منظار الرحالة الهندي كرستجي في رحلته للمنطقة (1916-1917)
تراثنا – التحرير :
في رحلة توثيقية قام بها الرحالة الهندي سي . أم . كرستجي إبان الحرب العالمية الأولى شملت موانيء عدة في الخليج العربي ،أنطلقت من بومباي إلى البصرة والعودة إليها (1916-1917م)، ونزل خلالها في الكويت في زمن الشيخ جابر المبارك وأخيه سالم ، وكتب مشاهداته عنها في كتابه (ارض النخيل) تقتبس تراثنا بعضا منه .
الرحالة كرستجي :
-
يتميز مضيفنا عبداللطيف العبدالجليل بالرقي في أسلوب حياته ويفضل العيش بطريقة عصرية ويسكن في حي ميسوري الحال .
-
الإفطار كان وجبة غذاء على الطريقة الأوروبية ،والمائدة تتألف من طاولة ومقاعد ومناديل وصحون وأطباق وكؤوس استعملت فيها الشوك والسكاكين.
-
الشاي كان مزيج غريب من الشاي والتوابل والحليب في أكواب كبيرة مع الصحون ارتشفناه دون أن يظهرعلى وجوهنا تقطيب وهي مجاملة صعبة !
يقول سي .أم .كرستحي : مرة أخرى واصلنا سيرنا على الأقدم عبر الطرقات الملتوية ، التي يبدو أنها تمتد إلى ما لا نهاية ، وسعدنا بوصولنا إلى مسكن السيد عبداللطيف (1)، الذي يقع دون شك في أحد الأحياء الراقية بالكويت ، حيث يقطن في ذلك الحي الكويتيون الميسورو الحال.
أوصاف البيت
وهذا البيت مثله مثل معظم البيوت العربية ، لا يوجد فيه شيىء يستحق المشاهدة من الخارج ،لكنه متماسك ومريح من الداخل ، وهو بناء مربع الشكل يتوسطه فناء داخلي ،ويتميز مضيفنا بكونه راقياً في اسلوب حياته، ويفضل العيش بطريقة عصرية ،
وتوجد في بيته حجرة للاستقبال مؤثثة وفقا للطراز الأنكليزي ، تحوي آرائك وثيرة ومقاعد مريحة وطاولات ، والبومات صور ومناظر عادية وبعض معدات الزينة الرخيصة .
ويوجد هنا أيضاً جهاز حديث للحاكي ، وقد دهشنا من ضخامة حجمه ، وانتابنا غبطة عارمة عندما انسابت منه بعض الألحان العربية الرنانة .
تطريز ونقوش
وتوجد هنا بعض قطع السجاد الصغيرة ، كالتي تسعمل فوق ظهور الدواب ، وتسم “خرج” ،ولكنها تستعمل هنا كأغطية جميلة جداً لمساند المقاعد ، أشبه بالأغطية التي يسند عليها الجالس رأسه ، وهذه القطع مصنوعة من صنف فاخر جميل ،و مطرزة في كل بوصة مربعة منها بأعداد لا تُحصي من النقوش البديعة ، فكلما كانت هذه التطريزات أكثر ، كانت صناعتها أفضل ،ومن هنا تعرف جودتها.
على استراحة الطعام
وبعد أن أمضينا استراحة قصيرة ، وغسلنا أيدينا أنتقلنا إلى الحجرة المجاورة لتناول طعام الإفطار ، فقد كانت وجبة غذاء على الطريقة الأوروبية ، استعملت فيها الشوك والسكاكين .
وقد كانت المائدة كاملة تتألف من طاولة ومقاعد ومناديل وصحون وأطباق وكؤوس وسكاكين وشوك وملاعق ، وكل شيىء فيها جديد تماماً .
ومن الواضح أن معظم هذه الأدوات جديدة وتستعمل للمرة الأولى ، حيث وضعت لاستعمالنا الخاص ، وذلك أكراما لنا ، ويبدو واضحاً أن مضيفنا كان فخوراً بهذا العرض الأنيق للمائدة .
طالع الحلقة الثانية :
رحالة هندي يدعو أهل الكويت للعب الكريكيت والطيارة الورقية !
مشكلة السكاكين مع الدجاج
أما الطعام فبالرغم من كونه وفيراً إلا أنه كان محاولة غير موفقة في مجال المطبخ الأنكليزي ، فسكاكين برمنغهام كانت جديدة للغاية ، لذا فإنها لم تقطع “الروتي” الذي كان يتألف من زوج من لحم الدجاج المشوي الكبير الحجم .
ومن حسن الطالع أنه لم تضيف إليه صلصة المرق ، وإلا فإن ذلك سوف يكون مصدر أزعاج لنا ، إذ قد تنزلق علينا بعض قطرات المرق أثناء عملية تشريح الدجاج .
أما إبن مضيفنا وهو غلام صغير ، وسيم الملامح ، متوقد الذهن ، مفعم بالأمل الواعد ، وكان جالساً إلى جوار أبيه وهو يرتدي الزي العربي الكامل ، ويضع العقال والكوفية على رأسه ، فقد تجنب هذا الغلام بفطنته وذكائه استعمال الأدوات الأوروبية ، واستخدم عوضا عن ذلك أصابعه طوعاً واختياراً ، فالتقط حصته كاملة من الدجاج ، وأتصور أنه أشبع نفسه من الطعام بأكثر منا .
الشاي بالتوابل
بعدها ،تم تقديم الشاي لنا ، وهو عبارة من عن مزيج غريب من الشاي والتوابل والحليب ، ومقدار وافر من السكر ، حيث تم تقديمه لنا جاهزاً في أكواب كبيرة مع الصحون ، وقد ارتشفنا دون أن يظهر على وجوهنا أي أثر للتقطيب والتغضن ، وهي عملية صعبة من المجاملة و التأدب ، واكتملت بذلك وجبة الصباح .
رواج الأثاث الأوربي
ومن الواضح أن استعمال الأثاث الأوروبي بجميع أصنافه قد بدأ يشيع بسرعة في المشيخات الصغيرة المطلة على الخليج ، وحينما ينتهز رجل من منطقة “شكلا بازار” التجارية في بومباي الفرصة ويبادر بإقامة مشروع تجاري هنا ، وفي البلدان المجاورة ، فسوق تلقي تجارته حتماً رواجاً كبيراً ، ولكن يجب عليه أن يركب التيار في ساعة المد ،و أن ينتهز الفرصة في اللحظة المواتية قبل أن يسبقه الأخرون .
يتبع لاحقا ..
هامش
1- عبداللطيف العبدالجليل المعروف ب ( المدير)