من كتاب ( في بلاد اللؤلؤ ) الحلقة (6)
سطور من ماضي الكويت بعين شامية
تراثنا – التحرير :
في الحلقة السادسة ، يعود بنا الكاتب السوري والمحامي فيصل العظمة” يرحمه الله ” إلى انطباعاته عن كويت عام 1942 م ، التي دوَّنها في كتابه ( في بلاد اللؤلؤ ) ، وكان قد قِدم إليها تطوعاً براتب زهيد للعمل مدرساً مع زميلين آخرين لعام واحد في أمارة صغيرة تطل على رأس الخليج .
العظمة في ذكرياته
-
ابو حليفة نفوسها 300 نسمة فيها مدرسة أولية وجامع ، وأهلها يشتغلون بالزراعة ، وقطف اللؤلؤ وصيد الأسماك .
-
الدمنة قصدتها مع نفر من المعلمين والتلامذة ، وزرت فيها العالم الفاضل الشيخ يوسف بن عيسى الجناعي رجل مهيب .
-
التقيت براعي غنم يترنم بأبيات من شعر بورسلي ، يتغزل بمحبوبة (غَضّة فُضّة) لها اسنان كاللولو وقرونها ( لهني ) مشيرا إلى ساقه !!
يستعرض العظمة قرى عدة قام بزيارتها مع جموع المدرسين ، وفي صحبتهم طلاب الفصل أحياناً ، نظمتها الجهات التعليمية لتعريفم بالبلاد وأهلها (ص 60 – 62) ،
بو حليفة
قرية صغيرة ، يقصدها بعض الناس لقضاء فصل الربيع فيها ، تبعد عن الفنطاس خمسة أكيال إلى الجنوب ، ذهبنا إليها ذات مرة مع الملا مزعل ،وزرنا شيخ البلد في ديوانيته ، وما دخلنا حتى نهض ونهض كل من في المكان ، فسلمنا وقعدنا .
والديوانية غرفة مستطيلة ،واسعة مظلمة ، وفي سقفها فتحة لخروج الدخان ، وعلى الجدران صور متقفنة جميلة ، تمثل عقلية العربي ، فرس ودلة قهوة ، ونخلة وبندقية وقمقم ومبخرة ، وفي الأرض وجاق محفور ، وعلى طرفه سلم من الطين ، من (عدة ) درجات ، وعليها ( المعاميل ) وتتألف من اثنى عشر إبريقاً ودلة دمشقية من كل حجم ، من الإبريق الذي يعلو عن الأرض نصف متر إلى الدلة الصغيرة ، التي تتسع لفنجالين .
هات القهوة
رحبّ بنا القوم ، وسألونا عن سورية ، ووجدتهم يفهمون الفكرة العربية فهماً حسناً ، وبعد قليل نادى الشيخ : القهوة ، فأجاب العبيد : ” قهوة أي والله قهاوة ” ، ولم أذعر هذه المرة لأنني تعودت .
وللحال أقبل الخدم يصفون الأباريق والدلات ، وبعد قليل أتي ” ياقوت ” العبد الاسود ،وشب النار ، ووضع فيها بعض عيدان من شجر الحمض ، ذي الرائحة الزكية إكراماً لناً .
300 نسمة
ويسترسل الكاتب العظمة في وصف تفاصيل الضيافة التي لقيها وزملاءه لدى صاحب الديوان ، ولا ينسى طبيعته التعليمية ، بوصفه مدرس ، فيعود للحديث عن وصف طبيعة المنطقة وسكانها فيقول : وأبو حليفة قرية على ساحل البحر ، نفوسها 300 نسمة ، فيها مدرسة أولية وجامع ، وأهلها يشتغلون بالزراعة ، وقطف اللؤلؤ وصيد الأسماك .
وهي متربع لطيف ، كثيراً ما يقصدها الشيخ حمود الجابر ،شقيق سمو الأمير ( أحمد الجابر الصباح ) للاستراحة ” يرحمهم الله ” .
الفحيحيل
ويقول الكاتب فيصل العظمة عن موقع قرية الفحيحيل : ” جنوب أبو حليفة ، بخمسة أكيال ، نفوسها 400 نسمة ، فيها مدرسة أولية ، وجامع ، وأهلها يعملون كجيرانهم أهل أبو حليفة .
الدمنة
وعن هذه القرية ( الدمنة ) يقول : تبعد عن مدينة الكويت جنوباً بشرق نحو سبعة أكيال ، نفوسها 300 ، فيها جامع ومدرسة أولية ، يُعلم فيها الملا سعود ، الذي يقوم أحيانا بوظائف كثيرة غير التعليم ، وقد دُعي لتغسيل أحد الأموات ولكن رفض .
طالع : الحلقة السابقة ( الخامسة ) : قرية الفنطاس .
قصدتها مع نفر من المعلمين والتلامذة ، وزرت فيها الشيخ يوسف بن عيسى الجناعي ” يرحمه الله ” ، وهو عالم فاضل ، ورجل مهيب ، كان مدير المعارف سابقاً ، وقدّم للكويت خدمات جلى مشكورة ، وقرب الدمنة توجد “الرميثية ” مكان جميل .
طرائف
من طرائف ما دونه الاستاذ فيصل العظمة – يرحمه الله – هذه المحادثة الطريفة التي دارت بينه وفتى يرعي الغنم باللهجة الكويتية ، وكان الراعي يترنم بهذه الأبيات للشاعر الشعبي فهد بورسلي ” يرحمه الله ” عائداً إلى الفنطاس وأمامه قطيع من الماعز :
يا طير يلي كلما طار
زاد العنا والهم فيه
من يبتلي بحب البكار ( أبكار )
ضاجت ( ضاقت ) عليه أرض وسيعه ( واسعة )
وقفت أنا والبال محتار
ياهل ( أهل ) النظر ردوه عليَّه ..
يقول العظمة : ” فلما حاذاني ، بادرته بالتحية :السلام عليكم ، قال : وعليكم السلام ، قلت : الله بالخير ، أي مساك الله بالخير ، قال : الله بالخير ، سالته : اين تذهب ؟ ففرقع بأصابعه كعادة الكويتيين ، وقال ” هنيش ” أي هناك بعيد ، كلش .
قلت : ألا تمل ؟ قال : لا ” أكو ” أي يوجد خيام قاعد . وأكو ” بنية ” أي فتاة ، فقاطعته سائلاً : ” زينة ” جميلة ؟ ففرقع بأصابعه وقال : الله الله زينة كلش ” بظه ” بضه مثل الفظة ” فضة ” قرونها ، أي ضفائرها لهني (هنا) واشار إلى ساقيه ، أسنانها لولو ، أقول كلش زين .
قلت : ترى أبي (أريد) روح وياك ، فقال بصراحته العربية المحببة : أنا ما أبي (لا أريد) . قلت معجباً : ” شحقا ” لماذا ؟ ، قال : ترى انا ما استأنس إلا ” بروحي ” منفرداً ، فضحكت ، وقلت تبقى روحك معاك ، تخاف ؟ فنظر إلي نظرة تحد ، وقال : ” شمنا ” أي من أي شيء ؟ قلت : ما أدري عنه ، قال ، لا أنا ما أبي ، قلت : مشكور ، فأجاب : ممنون ، قلت مودعاً على عادة الكويتيين : بأمان الله ، قال : بأمان الله ، ثم مضى يغني .
يتبع لاحقا ..