الحلقة السادسة
قضاء الوقت واللهو عند البدو
تراثنا – بقلم المؤرخ صالح هواش المسلط :
لأهل البادية فنونهم وتراثهم وآدابهم ، تنوعت وتعددت ، بتنوع المواقع التي سكنوها في الفيافي والصحاري ،وأخذت هذه المظاهر بالتلاشي في القرن العشرين ، بتوقف الغزوات والكر والفر ، والاتجاه إلى الاستقرار في المدن ،فلم يبقى غير التعيش على فنون الماضي وذكرياته ( حلقات الدراسة) .
المسلط :
-
إذا أكل البدوي العصيدة عد ذلك من النعيم .. وإذا حل بإهل البادية ضيف ذبحوا له ففرحوا حيث لا يذوقون اللحم في البادية إلا قليلاً.
-
لحم البعير سيد اللحم كله .. كان البدوي يذيب السمن فيغمس في خبز الصاج الفطير، ويبقى أياماً لايتغذى إلا بالخبز والسمن.
نقلا عن الدراسة المنشورة في مجلة تراثنا (1) عن ذكرياته عن حقبة الاربعينات من القرن العشرين عن حياة البداوة وطعامهم ولهوهم ، يستأنف المؤرخ صالح هواش المسلط بالقول :
أصاب المتنبي في وصف عيشة البدو ، وكيفية قضائهم الوقت بالأبيات الآتية ، فقد قال على لسانهم :
إن عشت روضة رعيناها
أو ذكرت حلة غزوناها
أو عرضت عانة مقزعة
صدنا بأخرى الجياد أولاها
أو عبرت هجمة بنا تركت
تكوس بين الشروب عقراها
والخيل مطرودة طاردة
تجر طول القنا وطراها
يعجبها قتل الكماة ولا
ينظرها الدهر بعد قتلاها
طالع الحلقة الخامسة :
هل كانت اللحى بديلا عن الصابون عند أهل البادية ؟
ويستطرد قائلا : لا يزال البدو مقتصرين – كما ذكر ابن خلدون – على الضرورة من الأقوات والملابس وسائر الأحوال والعوائد ، ومقصرين عما فوق ذلك من حاجي أو كمالي .
ويضيف :ويتناولون أقواتهم بعلاج أو بغير علاج البتة الا ما مسته النار ، وذلك لاضطرار البدوي إلى التنقل في كل حين ، فاختار بحكم معيشتة الأيسر تناولاً.
فتأنق الحضارة أمر لم يعرفه البدوي ، فإنه إذا أقام أياماً في منزل و أكل العصيدة ، عد ذلك من النعيم ، وهذه العصيدة عبارة عن اللبن الحليب يغلي ، فيذرون عليه الدقيق تارة ، ويضعوه عليه الجريش (البرغل) وقليلاً من الدهن ، ويقال لها حينئذ الجريشة .
وإذا ضيف رجلا عزيزاً ذبح له نعجة أوخروفاً ، ودعا إكراماً للضيف كثيراً من البدو لمؤاكلته ،فكنا نفرح إذا ما حل بنا ضيف حظنا من لحم لا نذوقه في البادية إلا قليلاً.
البعير سيد اللحم
إما في الأعياد والأفراح ، فيذبحون الأبل الكوماء ، لأن لحم البعير عند البدوي سيد اللحم كله ، وكنا بريكان الصليبي إذا أراد أن ينعمني بطعام العشاء ، طبخ الأرز ويسمونه “التمن ” ، وبعد أن ينضج بأوساخه يضعه في باطية ، ويحفر في وسطه حفرة يضع بها الزبدة التي تذوب بحرارة الطعام .فنلوك الأرز بالزبدة ، ونزدرده ازدراداً .
وكان شاهر الخريشة الصخري يذيب السمن ، ويأتينا به بمقلاته فنغمس في خبز الصاج،الفطير ، وقد يخرج لنا السحلب الأقط (2) ، بقينا هكذا أياماً لانتغذى إلا بالخبز والسمن .
ولا يزال البدو على آثار أسلافهم في صنع خبز الملة ،وذلك بأن يلقوا الدقيق بالماء ،و يعجنونه عجناً خفيفاً ، ثم يحتطبوا ويوقدوا فيفرشوا الجمر ، ويطرحوا عليه الرغيف الثخين ، ثم يغطون بما بي من النار ، فإذا نضج الرغيف تقاسموه .
واكثر ما يُصنع خبر الملة في السفر ، وأما في الإقامة فيأكلون خبز الصاج ، وفي كلتا الحالتين لا يذوقون الخبز الخمير ، لأنها من الرفاهية التي حرم منها البدوي .
الشكر على النعمة
فإذا ما ظهر بها شكر الله على تلك النعمة كثيراً ، وقد كان سلف هؤلاء البدو الصالح يعد الخمير من فاخر القرى ، فما رواه لنا عبدالله بن مصعب ، قال : وقف معاوية على أمرأة من بني كنانة ، فقال لها : هل من قرى ؟ قالت : نعم ، قال وما قراك ؟ قالت : عندي خبر خمير ولبن فطير وماء نمير ، وفي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه : الحمدلله الذي أطعمنا الخير وسقانا النمير .
نُشرت في مجلة تراثنا 42
هامش
1- تراثنا : العدد 41 ، الصادر في ذوي القعدة 1431هجري – سبتمبر / أكتوبر 2010 م
2- الأقط : ويقال له اليوم الهقط ، وقد شاهدتهم يصنعونه من اللبن الحامص ،ويتخذون من جبنه أقراصا صغيرة، يحففونها في الشمس ليدخروها مؤونة لهم في الأسفار
يتبع لاحقا ..