الحلقة السابعة
وثائق منتقاة من الصحف العربية والعالمية القديمة
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
تناولت مجلة (المنار) المصرية ، التي يرأسها العلامة محمد رشيد رضا – يرحمه الله – (1282-1354هـ / 1865-1935م) وغيرها ، جوانب مهمة فيما يتعلق بمجريات الأحداث فيما يتعلق بالكويت ومنطقة الخليج في تقاسم المصالح بين بريطانية ودولة الخلافة العثمانية في مطلع القرن العشرين .
في الحلقة السابعة ، تستكمل تراثنا ما نقلته صحيفة المنار عن جريدة الاهرام” المصرية موضحة حجم المكاسب الكبيرة التي حققتها ألمانية بشأن حصتها في سكة حديد بغداد ، من “الاتفاق الإنكليزي التركي على الخليج العربي وشط العرب” في مطلع القرن العشرين ، حيث تصف تلك المكاسب وشروطها :
وبوساطة ملاك السكة وفروعها ( شركة سكة حديد بغداد الألمانية)، وتلك الشروط وتلك الحقوق التي حصلت عليها بريطانيا تستطيع نشر نفوذها وبسط يدها وارساخ قدمها وإدراك مآربها الاستعمارية في بلدان مترامية الأطراف أعيا بضعها الفاتحين واعجز المغيرين في الأزمنة السالفة ، وكل ذلك دون أن تريق ألمانية نقطة دم ألماني .
وقد تأسست شركة سكة بغداد برأس مال لا يزيد على مئة وخمسين مليون فرنك ، ولم يدفع منه إلا قيمة النصف فقط ، ومع ذلك لم يفشل المشروع ولا رجعت ألمانية القهقري في هذا السبيل ، وحالفها النجاح ، وساعدتها إنكلترة نفسها على تحقيق أمانيها ، فماذا يكون يا ترى بعد عشرين أو ثلاثين عاما حين تتوطد قدم ألمانية ،و يعظم نفوذها ويرسخ في تلك البلدان الشاسعة الواسعة ؟
ومهما عززت إنكلترة مركزها في الخليج العربي فإن المنابر الإنكليزية في ذلك الخليج لا يمكن أن قلاعا منيعة أو حواجز متينة تصد تيار المطامع الألمانية ، فألمانية قد حصلت على ما لم يحصل عليه غيرها ، ومستقبلها يهدد مستقبل سواها في القريب – وهذا حظها – ان تطلب تعويضا الأن .
التنازل عن العراق
ومن جهة أخرى علقت (المنار) على ما جاء في عدد السبت 2 رجب من مجلة( المؤيد) تحت عنوان ما نصه :
كتب “مسلم”، في أحد الأعداد الماضية ، مقالة قال فيها : كيف يتأثر القوم لوقع هذا المصاب وهم الذين تبرعوا بهذه العملية المؤلمة لسواهم ، وهي عملية بتر هذه البلاد (الخليج العربي والعراق ) من جسم السلطنة ، وقد تمت هذه العملية وجرائدهم ساكتة صامتة لا تبدي حراكا ، كأن هذا الحادث لا يستحق أن تراف فيه نقطة من الحبر على صفحات تلك الجرائد .
وأنا لم أكن يومئذ على رأي حضرة “المسلم ” فيما قاله عن جرائد الأستانة لأنني خدعت بما قرأته من المقالات الطوال في الاحتجاج على ضم النمسة جزيرة (اطه قلعة) إلى املاكها ، وقد بالغ عويل صحف الاستانة في هذه المقالات درجة استغربتها جريدة (عزم) التركية التي تصدر في الأستانة ، فقال في عدد يوم 19 من مايو :
لا ندري هل القيامة قامت ؟ هل ذهبت البقية الباقية من أملاكنا في أوروبية ؟ هل احتل الأعداء عاصمتنا ؟ هل أخذت الخلافة من يدنها ؟ هل رفعت سورية لواء الثورة ؟ أم استولى الإنكليز على بغداد ؟
لا .. لم يحصل شيء من هذا ، ولكن (أطه قلعة) ذهبت ،وعليها تبكي الصحف ، هي تبكي على (أطه قلعة ) التي خرجت من يدنا منذ ربع قرن .
على هذا الحد اهتمام صحف الاستانة ، بحادث (اطه قلعة ) ولذلك لم أر معقولا أن تسكت عن حادث الخليج العربي والعراق ، فلما قرأ مقالة المسلم الفاضل ، صرت أبحث فيما وصل إليها من جرائد الاستانة ، هل هي تسكت حقيقة عما تم في العراق وإذا هي سكتت ، فهل تعتذر وماذا عسى يكون عذرها ؟
بقيت على هذا الحال إلى أن وصل مع البريد الأخير عدد 25 مايو من جريدة (وظيفة) ،وهي الجريدة التي تتلكم بلسان العنصرية التركية ، وقد صارت في المد الأخيرة أكثر صحف الاستانة حرية وشجاعة ؟ أو هي أقلهن تذبذبا وتملقا في هذا الوقت الذي لم تبق فيه صحف معارضة هناك ، فرأيتها تعتذر عن سكوتها بقولها :
(إن المعاهدة الإنكليزية العثمانية التي عقدت بين صدرنا الأسبق حقي باشا والسير آرثر نيكولسون مستشار ناظر خارجية إنكلترة لم يبلغنا خبرها إلا من المصادر الأوروبية ، لأن الباب العالي لا يزال على ديدنه الغريب في كتم الأخبار عن الأمة ، ولذلك لم تصل إلى يدنا أخبار صريحة عن هذا الأمر المتعلق بقطر عظيم من أقطار الوطن العثماني ،وهي بلاد الجزيرة العربي ،وكل ما علمناه عن ذلك إنما قرآناه في جريدة التيمس الإنكليزية).
هذا هو عذرها ، أما مواد هذه المعاهدة بين جماعة الاتحاديين ودولة الإنكليز فقد أوردتها تلك الجريدة التركية كما يلي :
-تحوي المعاهدة بيننا وبين الإنكليز أربعة أمور ، أثنان منها في مصلحة الإنكليز واثنا في مصلحتنا:
فأولى الأمرين اللذين في مصلحة الإنكليز اعترافنا لهم بحق حماية مقاطعة (الكويت) وتنازلنا عن السيادة التي لنا على شبه جزيرة (قطر) و (البحرين) ، وهذان القطران لم تحدد منطقتاهما ، ولم تُعين أراضيهما ،وإننا أعطينا الإنكليز وظيفة تقرير الأمن في خليج البصرة، ووسطناهم في حل الاختلافات التي بيننا وبين أمير المحمرة ،واعترفنا لهم بحق حماية تلك المقاطعة .
وبالاختصار إننا اعترفنا لحكومة جلالة ملك الإنكليز وامبراطور الهند بتنازلنا له من خليج البصرة وسواحله .
ذاك هو أحد الأمرين الذين في مصلحة الإنكليز ، ،وأما الأمر الثاني فيتعلق بالسياحة وسير السفن على طول نهري الفرات ودجلة ومجرى شط العرب ، وهو مجمع النهرين ، والاعتراف بكل ما حصل عليه الإنكليز من الحقوق والامتيازات هناك ، وأن تؤلف لحنة لتنظيم وأداره الأساكل والموانئ وتسيير السفن في مجاري هذه الأنهر ، حيث تخترق داخلية البلاد وأن يشترك الإنكليز اشتراكاً جديداً في هذه اللجنة على ان هذا الأمر الثاني لا يزال مظلاً بالنسبة إلى الأمر الأول ، لا سيما والإنكليز كانوا قد حاولوا فيما مضي أن يكون لهم حق احتكار تسيير السفن في نهري الفرات ودجلة ومجرى شط العرب ، فقام أهل العراق وقعدوا لهذا وعارضوا في إتمامه أشد المعارضة ، حتى اضطروا مجلس المبعوثين إلى رفضه .
ولما قرأنا ما قرأناه في هذه الأيام من مواد المعاهدة العثمانية الإنكليزية تذكرنا مسالة الاحتكار ،ولذلك قصدنا الصدر الأعظم محمود شوكت باشا ،وسألناه عما إذا كان اعترف للإنكليز بذلك ، فأجابنا بأن هذا الأمر بقي مسكوتا عنه .
على أن هذا إذا صح ، يكون للإنكليز حق الأرجحية ، ومعنى ذلك أن على الحكومات العثمانية أن تعضد في المستقبل النفوذ والسلطة الإنكليزية من مصب شط العرب إلى منتهى سير السفن في نهري دجلة والفرات .
وصفوة القول أن الإنكليز قد تمكنوا أولاً من بسط حكمهم إلى مصب شط العرب ،وصاروا أصحاب النفوذ والقدرة على ما يلي ذلك من بلاد الجزيرة العربية ، تلك حصتهم .
أما حصتنا ، فهي أن الإنكليز كانوا يمانعون في إتمام ما وعدنا به الألمان من تمديد سكة حديد بغداد إلى البصرة ، فأذنوا بذلك الأن بشرط أن يكون لهم عضوان في مجلس إدارة شركة هذه السكة الحديدية ،وأن يكون للبضائع والتجارة الإنكليزية الامتيازات نفسها التي للبضائع الألمانية ، تلك هي أحدى الفائدتين اللتين إستفدناهما من المعاهدة .
يتبع لاحقا ..
طالع الحلقة السادسة :
غنائم روسية من الاتفاق الإنكليزي العثماني
نقلا عن تراثنا – العدد 89
أنقر للتفاصيل
احصل على النص كاملاً
تواصل مع تراثنا