من دفتر الذكريات
أحال العراقيون المهلب رماداً .. فأعاد جابر الأحمد بنائه
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
لا أنسى بوم المهلب الشامخ ، المتجه صدره تجاه البحر يناجيه ، أتذكره واتذكر مكانه عند برج الساعة في ثانوية الشويخ التي أصبحت جامعة الكويت ، بمبانيها الشامخة المتكاملة .
أيام كانت ثانوية ، حيث سعة عقول الأولين ومداركهم وبُعدب نظرهم ، حيث أخذوا من الأرض مساحات كبيرة تناسب التوسع الذي قد يطرأ في المستقبل ، بل قد بنوا مباني صلحت في أعوام السبعينات لأن تكون جامعة ، تستخدم لقاعات الدرس والإدارات والكليات .
د . الشيباني يتذكر :
• شارك والدي وخليفة العجيل (رحمة الله عليهما) بخياطة شراع المهلب عند تجديده .
• دخلت مستشفى ثانوية الشويخ مرتعباً فعشت عيشة فندقية خمس نجوم أيام كانت الطبابة طبابة بحق !
• التقط القبطان آلن فليرز صوراً لثانوية الشويخ بالأسود والأبيض وفيلم لرحلته مع علي النجدي عام 1938م .
هذا ما يفرق عقول الأمس المخلصة عن عقول اليوم ، عموماً ذهب أولئك بأعمالهم واخلاصهم ،وجاء جيل همه أن يأخذ ولا يعطي ، وإذا انتج ، أنتج المغشوش والخرب من العمل .
مستشفي خمسة نجوم !
كان في ثانوية الشويخ ، علاوة على مباني الإدارة والدرس وقاعات المسرح والسينما والمحاضرات والمسجد والسكن الداخلي لطلاب البعوث من كل البلدان ، كان هناك مستشفى كنت من نزلائه في عام 1956 م ، عندما كنت في مدرسة المثنى ، اشتبهوا بي وآخرين بمرض يسمونه الدفتريا ، فنمت فيه أسبوعاً ، عشته كأني في فندق خمس نجوم ، وبرعاية اطباء وممرضين على مستوى عال من الطبابة والتمريض .
وعندما كشفت الفحوصات عدم أصابتي بالمرض ، اطلقوا سراحي ، ولكن خُذ من معاناة والدي آنذاك حين المجيء يوميا من حي القبلي ( فريج اظبية ) عند المقبرة العتيقة ( حديقة البلدية اليوم ) إلى المستشفى ، وفي بادئ الأمر، أي حين دخولي المستشفى أصابني من الخوف والرعب ما أصابني ، ولا سيما أننا ونحن صغار كنا نخاف من الأطباء والأدوية ، ولنا معها في المدرسة صولات وجولات كتبتها في ذكرياتي .
إعادة بناء المهلب
في زيارة قمت بها لثانوية الشويخ القديمة (الجامعة اليوم) ، وقفت مكان المهلب قبل أن ينقله إلى المتحف د . يعقوب الحجي الخبير بالسفن والبحر ، جزاه الله وفريقه خيراً ( أصدر بالمهلب كتيباً باللغة ألإنكليزية عام 1983 م وآخر عن المهلب الجديد )، احرقه العراقيون عندما غزوا الكويت ،وجعلوه رماداً ، ثم أمر الشيخ جابر الأحمد (رحمة الله عليه) ببنائه مرة أخرى عام 1996 م ، على ضوء الأول من دون أن ينقص منه شيء ، وتم ذلك .
والدي والبوم
وكان والدي (رحمة الله عليه) من ضمن فريق البناء هو وخليفة العجيل ، فقد خاطوا شراعه ، وكان يوم انجازه والانتهاء من بنائه يوما حافلاً ، اجتمعت فرق الكويت الشعبية منها فرقة معيوف وغيرها ، وغنت أغاني البحر ، وتذكرت تلك الأيام التي لم تكن حلوة ، حيث النكد والشقاء والتعب في الغوص والسفر شهوراً ، ولكنها حلوة عندهم ، من جانب آخر ، لأنها وسيلة لقمة عيشهم الحلال الهانئ .
القبطان فليرز والمهلب
التقط القبطان آلن فليرز لبوم المهلب في ثانوية الشويخ عدة صور سنة 1967 ، وذلك عندما زار صديقه ورفيق السفر معه إلى سواحل عدن وافريقية ، النوخذة علي النجدي (رحمه الله عليه) ، وقد صور فليرز كذلك جميع الرحلة (أبيض واسود) مع فيلم آنذاك عام 1938م ، كلها متوفرة لدى مركز المخطوطات والتراث والوثائق ، صُورت أصولها من منطقة غرينيتش في لندن وغيرها من الأماكن ، وهي اليوم في متناول الباحثين والدارسين لتاريخ الكويت .
والله المستعان …
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا