1909 – 1999م
الطنطاوي شاهد على رجال عصره (الحلقة 8)
تراثنا – التحرير:
في كتابه (الطنطاوي شاهد على عصره ورجاله)، يسطر أ. د أحمد بكري عصلة – يرحمه الله – شهادة الشيخ علي الطنطاوي على شاعرية فطاحلة الشعر العربي وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران .
-
أحمد شوقي عند الطنطاوي أمير الشعراء الذي لم تنجب الأمهات شاعراً مثله ولكن الزركلي تفوق عليه في قصيدة نظمها يوم قصف الفرنسيون دمشق !
-
للشيخ الطنطاوي ملاحظات عامة لغوية وعروضية على شعر شوقي الذي لم يثقف نفسه الثقافة اللازمة في مجال العروض .
-
أراق الشيخ الطنطاوي بعصاه أواني الخمر المقدمة على طاولة بشارة الخوري وشبلي الملاط وشقيق جبري ، فحذف كل ما كان عليها فاختلطت كاختلاط الزيت بالماء.
-
الطنطاوي يتساءل : ما الذي جمع خليل مطران مع شوقي وحافظ وما هو من طبقتهما ولا من أقرانهما وشعره مجرد أفكار تمشي على الأرض !
قافية الزركلي أفضل من شوقي
يقول د . أحمد بكري عصلة إن ” لأحمد شوقي مكانة كبيرة في نفس الطنطاوي وعقله ، فهو يقدره ويرى أنه وحده حقاً أمير الشعر العربي في العصر الحديث ، لا ينازعه على مكانته أحد ، ولم تنجب الأمهات شاعراً مثله من بعده ، وأنهن- الأمهات – لم ينجبن بعد المتبنى سواه (1) .
ويستطرد قائلا : لكن هذا لم يمنعه من نقده في كثير من الإماكن ، فقد وازن مرة بين قصيدتي شوقي والزركلي يوم قصف الفرنسيون دمشق ، فعبر عن ضيقه باختيار شوقي القاف روياً وقافية لها ، إذ كانت كالمطارق على آذانه ، ورأي أنها ليست من أجود ما نظم شوقي ، وأن قافيتها من أصعب القوافي ، وربما لأنه نظمها على عجل في ظرف مفاجيء ، ولكن شاعريته – كما يقول – محت آثار عجلته ، وفجاءت فيها أبيات سارت في الناس مسير الأمثال ، وخلدت خلود أبيات المتنبي ،و صارت مدداً لكل خطيب أو زعيم يقود (2).
ويمضي الكاتب د .أحمد بكري بالقول : ولكنه فضًّل عليها قصيدة الزركلي لأنه “ابن الشام” ومهما كان البعيد ، فأنه لا يشعر بمأساة البلد شعور أهل البلد (3) .
وقال : وكانت له على شعره عامة ملاحظات لغوية وعروضية ، وهو يعلم أن شوقي شاعر طبع وإبداع ، لم يثقف نفسه الثقافة اللازمة في مجال العروض خاصة ، ومثل الملاحظات اللغوية بمثال واحد بقوله : سمعنا في شعر شوقي كلمة (حنايا) ففتشنا في المعاجم ، فلم نجد إلا أحناء ، فأنكرناها عليه (4) .
وأضاف : لكن هذه الملاحظات وغيرها في رأينا وفي رأي جمهور النقاد ، والطنطاوي ، لا تؤثر في مكانة الشاعر ، ولا في صحة معانية ، ولا سيما أن كثيراً منها يأتي ضمن الضرورات المباحة للشاعر .
الطنطاوي والخمرة !
والموقف الجريء الغريب الذي يسجل للطنطاوي في شهادته لشوقي الذي لا يمانع من الجلوس في مكان والخمرة ماثلة في المجلس ، وهذا ما حكان الطنطاوي ، وأدعه يروي الموقف بنفسه : جاء شوقي دمشق مرة ، فأغراني أنور العطار بأن أذهب معه لزيارته ، وكان في فندق خوام .. فوجدنا بشارة الخوري ، وشبلي الملاط وشقيق جبري .. وأمامهم مائدة عليها أواني الخمر، وكنت أحمل عصا ، فمددتها ومشيتها على وجه المائدة ، فحذفت كل ما كان عليها كاختلاط الزيت بالماء ، لا كاختلاط الماء بالخل (5) .
حافظ أقل شاعرية
وأما حافظ ، صديق شوقي ، فقد كان أقل مكانة وشاعرية من شوقي، وهذا بإجماع جمهور النقاد ، وجماهير القراء ، وكذلك الطنطاوي ، فهو يراه فحلاً ، وشاعراً قريباً من الناس بما قدمه من موضوعات وبطريقة الحياة التي عاشها .
ولكن من جهة أخري يشهد له بأنه شاعر البلاغة العربية بمعناها عند أهل البلاغة العرب ، يقول : ” أما حافظ في مراثيه وفي وصفياته ، فإنه يدخلك في فرقة التمثيل حتي تكون أ نت من يمثل ، لا يكتفي بأن يقرأ وتسمع ، اقرأوا مرثيته سعداً ، يدخلك النادي الذي سيخصب فيه سعد ، يوم كان سعد خطيب مصر ، لا في براعة القول ، وحسن رصف الكلام ، فإن خطبه إن قرئت قراءة لم يدرك قارئها براعتها ، ولم يعلم فيم كان هذا التأثير لها ، كان تأثيرها في بلاغتها ، أعني البلاغة بمعناها عند أهلها ، وهو مطابقة الكلام لما تقتضيه الحال ، وأن يخاطب المرء الناس على مقدار عقولهم ، ويقول لهم ما يفهمونه حتى يؤثر فيهم ، وكذلك كان سعد ، لما عاد من المنفى ، كان ينتظره عن المحطة جماهير تملأ الميدان .. وكان الناس يومئذ من يضع الوزراء والكبراء فوق ،والفلاحين تحت ، فكانت البلاغة كل البلاغة في خطابهم مقال سعد ، قال لهم : إنكم جئتم لتكريمي وما أنا من الكبراء و لا من ذوي السلطان ، ما أنا إلا فلاح وابن فلاح ، تقرؤون هذه الجملة وقد أنطفأ بريقها ، وخمدت شعلتها ، ولكن الذين سمعوها من الفلاحين فعلت فيهم فعل السحر ، ومشت في أعصابهم مشي الكهرباء ،هذه هي مطابقة الكلام لما تقتضيه الحال ، هذه هي البلاغة.
وخلاصة رأيه في الشاعرين ، أن شوقي كان عبقرياً لأنه شق طريقاً جديداً ، ولأنه سبق حتى ما يتعلق أحد بغباره ، وقد يتعثر أو يتأخر ، يعلو وينخفض ، أما حافظ فكان نابغة ، لأنه يسير بسرعة واحدة غالباً ، لا يسبق سبقاً بائناً ، ولا يتخلف تخلفاً شائناً (7).
خليل مطران ليس شاعر !
أما بالنسبة إلى خليل مطران ، فإن الطنطاوي لا يراه من درجة حافظ ، أو شوقي ، بل ينفي عنه الشاعرية بشكل واضح وصريح ، يقول : وعرفت شعر شوقي وحافظ ومطران من قديم ، ولست أدري إلى الآن ما الذي جمع مطران بهما ، وما هو من طبقتهما ،ولا من أقرانهما ، وما قرأت له عشرة أبيات متوالية يقال لها (شعر) حتى قصيدته المشهورة (بعلبك) ماهي إلا تاريخ منظوم ، وأفكار تمشي على الأرض ، ليس فيها ما يطير إلى جو الشعر (8) .
طالع الحلقة السادسة :
الشيخ الطنطاوي شاهد على إنطلاقة الإنقالابات في سورية ومصر
هوامش
1- الذكريات 296/1 ط 5 .
2- الذكريات : 293/1 ط 5 .
3-الذكريات : 296/1 ط 5 .
4-الذكريات : 267/5.
5- الذكريات : 13/2 .
6- الذكريات 238/2.
7-الذكريات : 7/4.
8- الذكريات : 25/3.
نقلا عن تراثنا العدد 84
أنقر لتفاصيل العدد
تواصل مع تراثنا