قلة الامتيازات وضعف الرواتب تُنفر الشباب الكويتي من العمل في قطاع الآثار !!
تراثنا – حوار خالد القدومي : تواصل تراثنا في الجزء الثاني والاخير الحوار مع مدير إدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور سلطان مطلق الدويش .. حيث تعج الكويت بمواقع أثرية شهد الكثير منها أحداثاً تاريخية مهمة كمنطقة كاظمة التي تمتد تاريخياً من الجهراء حتى رأس الصبية وتضم أكثر من مدينة وقرية وجرت فيها معركة شهيرة من معارك الإسلام وهي ذات السلاسل أو كاظمة كما تسمى أيضاً، بين المسلمين بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، والفرس بقيادة هرمز عام 12 هجرية .
كما أن للشاعر البوصيري زمن الخلافة العباسية قصيدة شهيرة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر كاظمة في أحد الأبيات قائلاً:
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة …
وأومض البرق في الظلماء من إضم …
د سلطان الدويش ل ( تراثنا ) :
-
من المعلومات التي يجهلها كثير من الناس أن الشاعران جرير والفرزدق سكنا الكويت وقبر صعصعة التميمي في إمديرة.
-
عثرنا على بير كاظمة الذي قال فيه الشاعر الفرزدق قوله الشهير (وناجيةُ الخيرِ والأقرعانِ… وقبرٌ بكاظمة الموردِ ) !
-
مجنزرات وإطارات الشاحنات العسكرية بالمعسكرات تطأ المواقع الأثرية ولا تلقي الاهتمام المستحق .
-
تعرضت معظم الآثار الكويتية في حقبة الغزو العراقي للسرقة والتدمير منها آثار جزيرة فيلكة .
جرير والفرزدق كويتيان
الدويش يدلي بدلوه ويقول : «من المعلومات التي يجهلها كثير من الناس أن الشاعر جرير سكن الكويت وكذلك الشاعر الفرزدق وقوله الشهير، وفيه ذكر كاظمة : وناجيةُ الخيرِ والأقرعانِ… وقبرٌ بكاظمة الموردِ
ونحن – بفضل الله – ثم بفضل الجهود الوطنية حصلنا على البير المقصود ببيت الشعر، وتفاصيل ذلك البير أن كان داخل المدينة أو خارجها وطريقة بنائه وغيرها من التفاصيل.
قبر والد الفرزدق
ويضيف الدويش ولكن بحرقة هذه المرة ويقول : إن قبر والد الفرزدق غالب بن صعصعة التميمي عثرنا عليه في منطقة إمديرة لكن لم يتسنَّ لنا التنقيب في المنطقة لوجود معسكر للجيش فيها، ناهيك عن القلعة التي كان لها قصصٌ وحكايات ولا تبعد عن القبر إلا 50 متراً فقط .
تدمير المجنزرات للآثار
إن ما آلم الدويش يؤلم بالتأكيد كل محب للكويت وهو يرى آثار بلاده تطؤها المجنزرات وإطارات الشاحنات العسكرية، ولا تلقي الاهتمام المستحق إن لم يكن الإهمال المتعمد، ولا سيما إذا علمنا أن القبر كان ملجأً ومزاراً للمظلومين، وكان الفرزدق إكراماً لوالده المشهور بالكرم يتوسط لكل زائر لقبره عند الخلفاء لحل مظالمهم للمكانة الكبيرة التي يتبوؤها الشاعر عند دار الحكم.
وأما جبل برقان فقد نال حظه هو الآخر من التاريخ فعليه توفى أحد قادة الخوارج، وكذلك نال «طريق زبيدة» زوجة هارون الرشيد حظاً أكبر منه، وهو الطريق المخصص لخدمة المسافرين الحجاج من البصرة إلى مكة وبه الاستراحات وآبار الماء كل خمسين كيلو متراً تقريباً ، يمر خمس استراحات منها بالكويت.
-
هل يعقل موقع أثري مهم مثل فيلكة لا يوجد فيه كاميرات مراقبة واحدة ولا شرطة آثار ، تحمي المواقع من اللصوص والعابثين ؟
الغزو وسرقة الآثار
في أثناء الغزو العراقي للكويت في الثاني من آب عام 1990 تعرضت معظم مرافق الدولة للتلف أو للسرقة وكان للآثار الكويتية حصة لا يستهان بها من ذلك الدمار، ما زالت الكويت إلى الآن تعاني منه..الدكتور الدويش يكشف عن حجم الدمار الذي تعرضت له المواقع : « دمرت الدبابات العراقية بعض المواقع في فيلكة وكثير من الآثار تم سرقتها وإرسالها إلى العراق، رغم أنه بلد متخم بالآثار وما زالت المطالبات مستمرة إلى الآن والذي لم يسترد منها راجع لبيعه خارج العراق.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ماذا فعلت الكويت أمام هذه المعضلة ؟
فكان الجواب : « عممنا عليها دولياً وصورها منشورة».
سألته : ولماذا لا تلجأون إلى شراء الآثار الكويتية المنهوبة، من باب أن آخر الدواء الكي ؟
فقال : « لماذا الشراء، إن كان بالإمكان استردادها بالقانون، لكن الأمر يتطلب كثيرا من الوقت..
شراء الارشيف الدانمركي
وعلى ذكر الشراء فإن الكويت اشترت أرشيف البعثات الدانمركية التي عملت في الكويت منذ الخمسينيات، بعد التنسيق مع الديوان الأميري.
أما عن أبرز القطع الأثرية التي نقلها العراقيون إلى بلادهم، فكان الصليب من كنيسة فيلكة ، ورغم استرداده لكنه كان مهشماً ولم تنجح عمليات ترميمه بعودته إلى سابق عهده.
حماية الآثار
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الآثار الكويتية المنهوبة ذكرت بالحديث عن الآثار التي يعثر عليها الأفراد داخل البلاد دون أن يسلموها للدولة..عن هذا يقول الدويش : « قانون حماية الآثار ينص على تسليم القطعة الأثرية خلال 24 ساعة، أو إبلاغ إدارة الآثار والمتاحف بها، وإلا تعرض الشخص للمساءلة القانونية، أما مكافأة من يتعاون ويسلم أثراً فهو مبلغ 300 دينار وشهادة تقدير، وقد سبق أن سلم بعض المواطنين قطعاً أثرية كجرار عباسية إسلامية، وتمت مكافأتهم وما يتم فعله في الكويت يتم فعله بباقي دول الخليج «.
يبدو أن الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم لم يكن «أبو الدستور» فحسب بل و» أبوالآثار» أيضاً، فقانونه الخاص بالآثار الذي أصدره عام 1960 هو الأقدم في المنطقة، بالإضافة إلى جلبه فرق التنقيب الأجنبية .
-
الكويت اشترت أرشيف البعثات الدانمركية التي عملت في الكويت منذ الخمسينيات، بعد التنسيق مع الديوان الأميري .
-
قانون حماية الآثار الكويتي ينص على تسليم القطعة الأثرية خلال 24 ساعة.. وإلا تعرض الشخص للمساءلة القانونية .
اليونسكو والآثار
منذ أن دأبت اليونسكو على فتح باب إدراج الآثار ضمن الإرث العالمي قبل قرابة الأربعين عاماً والدول تتسابق للادراج، لما في ذلك من مصلحة، يوضحها الدويش من خلال الأسطر التالية :” من المعلوم أن إدراج أي أثر يأتي بفوائد جمة للأثر والدولة معاً، وأبرز الفوائد أن الأثر يحظى بالحماية، وتزوده اليونسكو بالخبراء للمتابعة والصيانة وما إلى ذلك، والأهم من ذلك كله أن الأثر سيحظى بشهرة عالمية من خلال اليونسكو تجعل منه قبلة للسياح” .
لن ننضم لليونسكو
وأمام تلك المغريات أدرجت دول الخليج الكثير من المواقع طمعاً في المكاسب، فأدرجت السعودية خمسة مواقع ومثلها فعلت عمان، وأدرجت البحرين أربعة والإمارات ثلاثة بينما اكتفت قطر بموقع واحد والأعداد جميعها قابلة للزيادة.
وهنا تساءلت بصيغة المتعجب : وماذا عن الكويت ؟
فقال : وقد سبقت تعابير وجهه الإجابة : “لم تدرج الكويت ولا موقع “.
سألته مرة أخرى : لماذا.. وقد علتني هذه المرة كل علامات التعجب؟
فقال موضحاً واضعاً النقاط على الحروف: “إن الكويت سجلت أربعة مواقع، والتسجيل هنا مجرد إثبات حالة أن صح التعبير، لا يسمن ولا يغني من جوع، أما الإدراج فيحتاج إلى جهد فني وإداري وموافقات وهو المهم والمحقق للمكاسب، لكن المسؤولين لم يكملوا المهمة ويدرجوها بداعي أن الإدراج ينتهك سيادة الدولة، كون الموقع المدرج لا تستطيع الدولة أن تعمل فيه أي شيء إلا عن طريق اليونسكو “.
سياحة الآثار
تمتاز الآثار الكويتية من غيرها بشمولها على حقب عدة، ففيلكة مثلاً بها كنيستان ودير بالإضافة إلى آثارا إسلامية كما أن فيها عاصمة مملكة دلمون قبل الميلاد، وهي إلى جانب آثار العبيد هما الأشهر في الكويت، كما أن فيها القلعة الهيلينستية وهي قلعة عالمية محط اهتمام اليونانيين والغرب عموما لتشابهها مع آثارهم، ناهيك عن بعض القطع الأثرية النادرة للغاية مثل قطعة عظم لفيل عمرها 16 مليون سنة وأقدم قارب وغيرهما من القطع.
أمام هذا الكم الكبير من الآثار التي تعم البلاد من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، لماذا لا تقوم الدولة باستغلال ذلك سياحياً.. سؤال مشروع وجهناه للدكتور الدويش فأجاب بالشكل الذي أردناه : « الآثار الموجودة في الكويت لو استعملت بطريقة صحيحة، فمن الممكن أن تضخ للدولة مدخولا يعادل دخل النفط».
يبدو أن الأمر فيه مبالغة وربما مبالغة كبيرة، لكن الدكتور يبرر ذلك ولسان حاله يقول إذا عرف السبب بطل العجب : « الكويت أغنى دول الخليج بالآثار، وفي الوقت نفسه تعيق الحروب والقلاقل السياحة، بعدد من دول المنطقة مثل العراق وسورية ولبنان واليمن وليبية وغيرها من البلدان العربية، وهو ما يجعل من الكويت وجهة سياحية مثالية ولاسيما باب السياحة العلمية للطلاب دارسي الآثار، لما تتمتع به الكويت من قلاع وحصون ومدن في الصبية والخيران وفيلكة، غالبيتها العظمى طور التنقيب، ولنا في الإمارات قدوة حسنة فقد استفادت من سياحة الآثار أيما استفادة ووظفت لأجل ذلك الخبرات الأجنبية «.
-
لم ندرج ولا موقع أثري كويتي واحد في اليونسكو خشية ان نفقد حق السيادة عليها واكتفينا بتسجيلها .
-
من أبرز آثار جزيرة فيلكة كنيستان ودير بالإضافة إلى آثار إسلامية و آثار الحضارة العبيدية وفيها القلعة الهيلينستية ..
الجملة الأخيرة استوقفتني فقلت للدويش وماذا عن الخبرات الأجنبية في الكويت فأجاب : « اهتمام الكويت بالآثار بدأ متأخراً جداً، وعدد الخبراء الكويتيون لا يتجاوز 15 خبيراً ، لذلك فالاستعانة بالأجانب ضرورة لا بد منها نظراً لخبرتهم الكبيرة وعملهم في كثير من البلدان، وأخص بالذكر هنا المدرسة الأوروبية الشرقية وبالذات البولندية والسلوفاكية فهما مميزتان للغاية، علماً بأن البعثة الواحدة تكلف من 15 – 30 ألف دينار ولمدة ستة أسابيع».
أما عن ديمومة الاستعانة بالأجانب إلى أجل غير معلوم، فهي قلة الامتيازات المخصصة والرواتب الضعيفة، مما يدفع الشباب الكويتي إلى مجالات أخرى ذات مدخول أعلى، وهذا خلل تتحمله الحكومة وتدفع الآثار الوطنية فاتورته من حجارتها، ولنا أن نتصور مثلا أن جامعة الكويت فتحت قبل ثلاث سنوات فقط قسماً للآثار ليس من أجل الآثار وقيمتها ، وإنما خدمة لقسم التاريخ بالجامعة، بعد أن بح صوت الأثريين بالمطالبة.
دورات دورية
فتحت سؤالاً كان لا بد منه : هل يقتصر دور المتحف على العرض والتنقيب فقط، أو أن للمتحف أدواراً أخرى !! فقال د .الدويش : نحن إلى جانب التنقيب نقوم بإعداد دورات دورية لترميم الزجاج والنسيج والمعادن لرفع كفاءة ومهارة العاملين، كما نقوم بإرسال العاملين لأخذ دورات في اليونسكو، وبعض الدول العربية مثل الأردن ومصر، كما لنا الكثير من المشاركات الفاعلة في كثير من المؤتمرات الدولية، ولأن موسم التنقيب يبدأ في الأول من أكتوبر وينتهي في الأول من أبريل ، فنحن نستغل باقي السنة بالمختبرات والترميم.
شرطة الأثار
وفي ختام اللقاء ناشد الدكتور سلطان الدويش الحكومة مزيداً من الاهتمام بالآثار وزيادة عدد طلبة الآثار المبعوثين إلى أوروبة والدول العربية لرفع مستواهم، كما ناشدها تخصيص شرطة آثار كما في الدول الأخرى، ومراقبة المواقع الأثرية بالكاميرات والأقمار الصناعية متسائلاً : « هل يعقل موقع أثري مهم مثل فيلكة لا يوجد فيه كاميرات مراقبة واحدة، تحمي المواقع من لصوص الآثار وعبث العابثين».
هذا …من جانب ومن جانب آخر، دعا الدويش الكويتيين إلى زيارة المواقع الأثرية للتعرف على آثار بلدهم وتاريخه.
رابط تراثي ” مركز الكويت العلمي “
زيارة الصفحة الرئيسية تراثنا
الإشتراك في ايميل خدمة تلقي الاخبار الإسبوعي
التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء ادناه