في زمن خلط الموازين
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
إن من أعظم العقوبات الربانية أن يكون الإنسان إماماً في الشر ، وذلك بحسب معارضته لآيات الله وبيناته ، كما أن أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده ، أن يجعله إماما في الخير هاديا . ” عبدالرحمن السعدي “.
من الغرائب أنك ترى الأب لا يرضى لولده عصيانه وعدم الأخذ بأمره وسماع نهيه ، ويدخل في ذلك زوجه وخادمه والموظف عنده في مصلحته ، ولكن هذا الإنسان يقبل أن يرد على خالق وولي نعمته أمره ونهيه ، بل وشكره وذكره ، وتراه يرفع قدراً وجلالاً من لا يستحق ذلك من بشر وحجر وحيوان ومقبور!
كما ذلك في الأثر : ” أنا أخلق وغيري يُعبد ،وأنا ارزق وغيري يُشكر ، خيري نازل إليهم وشرهم صاعد إلى ” !
كل العباد مهما ملك من قوة وسلطان وجيوش وأسلحة متطورة وسطوة على الدول والبشر فأولئك لا يستطيعون رد الموت عن أنفسهم ولا يملكون حياة ولا نشوراً .
عندما لا يخشى العبد الله خالقه ، فأنه يتحول إلى ماكينة شر محض ،تحركها اطماعه وطموحاته وسعيه وراء اللذة بكل صورها الاجرامية ،
القسوة والتمدن
وإلا فلماذا لا يقف المغول الجدد من ادعياء (التمدن الحضاري) عن سفك الدماء سواء كانوا غربيين أو عربا مسلمين أو غير مسلمين ؟ إلى متى النزيف القتالي والذبح اليومي في العلن والخفاء ؟ ألا يكفي ما استأصلتموه من ملايين البشر في العالم ؟؟ لقد توصل الجميع إلى أن أغراضكم غير شريفة ولا تتوافق مع الأفئدة الحصيفة ولا تصدر عن عقول صحيحة .
ما تقومون به من شر الاعمال في العالم سواء في غزة وغيرها من مذابح بشرية تحت ناظري العالم وحروب بالوكالة بتمويل ودعم غربي وممن اتبعوهم من بني جلدتنا ، كلهم في الشر سواء .
صور القسوة والاستبداد في العالم لها صور عدة ، وتسير في نهج يسعى لإخضاع الشعوب بمنظمات دولية بزعم توفير مساعدات مالية تنموية ، فيما هي محكومة باشتراطات ثقافية واقتصادية وتنازلات ومزاعم عدالة اجتماعية تبيح الشذوذ بكل صوره تفرض فرضاً على الحكومات والشعوب !
يا رؤساء العالم يا من تزعمون انكم في المجتمعات الحرة التي تحترم العقول وتتأدبون في العلاقات والمعاملات البشرية داخل اوطانكم ، هل حقيقة أنكم تفعلون ذلك للعدالة الاجتماعية وتحقيق النمو للبشرية ، أم تفعلونها لتكبير أرصدتكم ؟
من أشكال هذه القسوة الحرص على وأد كل صور تحقق التقارب بين الدول العربية ، والتفاف الصف العربي على بعضه ، بل دأبوا على زيادة الفرقة والنرجسية الجاهلية “أنا ومن بعدي الطوفان” ! ، إنها فوبيا الخوف من عودة مارد الإسلام ، فأي تقارب حتى لو كان اقتصاديا ، فأنهم يضعون امامها العراقيل لوأدها وتدميرها دعما لاسواقهم من جهة ، وخشية ان تحمل في بذور يوما ما قد يوقظ فكرة التقارب العقدي الإسلامي بين صفوف المسلمين ،إنها الفوبيا من عودة مارد الإسلام في لحظة غفلة.
في الوقت الذي يرددون انهم حراس الحريات وتعددية الأديان ، نجد أن الحماية الحقيقية للأقليات الدينية كانت تحت ظلال دول يحكمها الإسلام ، حيث اعتلت الأقليات الدينية اعلى المناصب والدرجات الوظيفية وكان لهم في الفن والأدب والثقافة وغيرها الريادة .
مظاهر عدالة الإسلام في التاريخ الإسلامي هي من حمت الأقليات الدينية في أراضيها وتقبلت الوافدين إليها والفارين من ظلم ديارهم ، ولولاها لما بقيت لهم باقية إلى الأن في بلاد الإسلام ، ونستذكر هنا كيف توافد اليهود فرارا من بلاد الغرب واضطهادهم للعيش في رحاب الإسلام الذي فتح لهم ابوابه في فلسطين .
فكانت النتيجة بعد أن استكانوا وتمسكنوا ثم استعلوا في الأرض فإذا بهم يمارسون كل أنواع الفتك والقتل والسحل لمن استضافهم في ارضه ، والمفارقة ان الدعم والسند جاءهم ممن كانوا سببا في طردوهم من اوطانهم الاصلية ، وقتلوهم ونصبوا لهم المشانق وحرقوهم في المحارق النازية !!
فهل من معتبر ..الدور قادم على من نام راضياً قرير العين بقتل اخوته في الدين والوطن ، حينذاك سوف يتذكرون المقولة الشهيرة بحسرة ( أُكلت كما أكل الثور الأبيض) .. !!
* رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
تواصل مع تراثنا