على سطح سفينة بيان الشراعية
مقتطفات من (أبناء السندباد)
تراثنا – التحرير :
دوّن الرحالة القبطان البريطاني آلن فلييرز في مذكراته ما يجرى على سطح سفينة بيان الشراعية العائدة للنوخذة الكويتي ناصر النجدي، ووصف أجواء الرحلة والموانئ التي تزورها ، والأحداث اليومية التي تجري من قبل البحارة والحمولة وغيرهم .
الكابتن فلييرز
-
كانت أيدي البحارة وأذرعهم تتورم من لسعات البعوض فاستسلموا له بعد أن عجزوا عن مكافحته وطرده .
-
كثير من بحارة مركب “بيان” عانوا من الأمراض الاستوائية والتقرحات حاولت تنظيفها لمنع الالتهاب .
-
أثبت العرب أنهم صبورون على المرض ولهم قدرة عجيبة على الشفاء ويحسنون التصرف عند البلاء .
-
خارت قوى البحارة من قساوة العيش وشحبت وجوههم وخط الشيب رأسهم وهم في الثلاثين !
يتمتع فلييرز بأسلوب أدبي تصويري جميل في وصفه لتفاصيل ما يجري من تطورات ، وفي السطور التالية نقتطف م كتابه (أبناء السندباد) ما تعرض له بحارة “بيان” من قرصات الناموس ( لبعوض) والامراض التي أصابتهم على اليابسة .
يقول فلييرز : كان المركب مغطى بالوحل ، مع أن كل بحار كان يحاول أن يغسل الوحل الملتصق به قبل أن يعود إلى المركب ، وقد بني سقف من الأعشاب فوق الجزء الخلفي من مؤخرة المركب فوق السدة ، التي كان يجلس عليها النوخذة” القبطان” ، ولكم هذا السقف لم يكن يقي من المطر ، كما لم يكن هناك شيء يمكنه أن إبعاد البعوض عنا .
ويستطرد في الوصف قائلا : فقد كان البعوض يهزأ حتى من الكلل (الناموسيات) ، ويستمتع بالدخول إليها ، ومن المعروف أن بعوضة واحده داخل الكلة (الناموسية) أسوأ من مئة خارجها ، ولكن لم يكن لدى البحارة كلهم واحدة ، فكانوا يتقبلون البعوض على علاته ، وكانوا في البدء يحاولون أن يطردوه بطريقة أو بأخرى ، إلا إنه بعد حين تخلوا عن ذلك الصراع غير المتكافئ .
وتركوا البعوض يلمسهم كما يشاء ، على أساس أنه إذا شبع فإنه يغادرهم ، بينما إذا حاولوا إبعاده عنهم ، فأنه سيعود إليهم ثانية ، برفقة بعوض آخر ، أشد جوعاًَ.
وعلى هذا الأساس فإن من الأفضل الإبقاء على بضع بعوضات حسنة التغذية ،على أن تأتيهم آلاف مؤلفة من البعوض الضائع ، ولم يكن باستطاعتي شخصياً أن أضع هذه الفلسفة على المحك ، فقد كان لسع البعوض شديداً قاسياً حتى أن الأيدي والأذرع كانت تتورم نتيجة له .
وعلى الشاطئ كان يكثر الذباب وغيره من الهوام ، بدلاً من البعوض ، وقد شغلت وقتي في أعمال التطبيب ، وكنت أتمنى لو كانت لدي الخبرة الفعلية بهذا النوع من العمل .
ويصف الأمراض التي أصابت البحارة قائلاً : فقد تفشت أنواع مختلفة من الأمراض لم يكن لي بها عهد من قبل ، امراض استوائية ، وأمراض جلدية متقرحة ، وأورام متقرحة في الرأس، وأنواع أخرى من الحميات ، وقد عانى أولئك الذين كانوا غواصي اللؤلؤ في الخليج العربي معاناة شديدة ، لأن كثيرين منهم كأنت لديهم أمراض جلدية ساكنة استيقظت في هذا المكان .
وكان هذ المرض نوعاً ًمن البثور ليغلقه ، التي كانت آثاراها موجودة دائماً وظاهرة على أجسادهم ، وخاصة على أرجلهم ، وطالما كانت تلك البثور غير متقيحة فإنها لم تكن شديدة الإزعاج ، ولكنها كانت تنفجر في هذه الدلتا التعيسة ، بسبب الأشواك والشظايا والنباتات المتشابكة ، وكلما كانت إحدى هذه البثور تفتح ، كانت تلتهب ، إما بسبب السائل الحمضي الموجود في لحاء شجرة المانجروف ، أو من وحل النهر السام ، ولم يكن باستطاعتي أن أفعل شيئاً سوي أن أبقي الجروح نظيفة ، وأوقف النزيف وأمنع الالتهاب .
وقد مرت بي أيام ع عصيبة عندما كانت المواد الطبية تنفذ ، فقد كان الطلب عليها كبيراً ولم يكن لدي منها ما يكفيهم جميعاً ، فقد كانت الديدان الصغيرة تنفذ أحياناً إلى داخل ركبهم وعضلات أرجلهم ، وكان من الضروري تخليصهم منها بالجراحة .
ويثني على البحارة وصبرهم على المعاناة بالقول : لقد أثبت أولئك العرب أنهم صبورون على المرض ، وأنهم يحسنون التصرف عندما يبتلون ، وقد كنت ممتناً مرة أخرى لقدرتهم العظيمة على الشفاء ،ولكن ما أن إن انقضت ثلاثة أسابيع على وجودنا في الدلتا حتى بدت عليهم علامات الاعياء الشديد ، فقد اصبحوا حتى أقوامهم بنية كالأشباح ، شاحبي الوجوه ، وقد لاحظت كثيرين ممن لم تكن تزيد أعمارهم الثلاثين عاماً ، وقد خط الشيب شعرهم ، لقد كانت حياة قاسية ..
مجلة تراثنا – العدد 17
تواصل مع تراثنا