هموم إنسانية وتراثية
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
الإنسان العربي المسلم تاه عقله، وتشتت فكره وكثرت احزانه، لا يدري إلى أي أمر ينتبه ويركز عليه ،ويأخذ بمجامعه ولبّه ، أهو كثرة القتلى من الكبار والصغار والنساء والرجال في فلسطين (غزة) على أيدي الصهاينة، أم في السودان ، أم الصراع في اليمن أو اضطهاد مسلمي الإيغور في الصين أو مذابح المسلمين في بورما العنصرية وغيرها الكثير مما لا يعد ولا يحصى في مواقع عدة .
العربي المسلم لا يعرف إلى من يلتفت وهو يشاهد الدمار يطيح بكل عمار ، هل يلتفت إلى أمواله التي ضاعت في أيام نحسات ، أم إلى الساسة الذين لعبت بهم أهواؤهم وتم شراء ضمائرهم بثمن بخس نظير السكوت وتمرير العبث بأوطانهم ، أم هي أموال الناس والأموال العامة التي نُ بلا حق ؟!
هذا هو حال المواطن العربي المسلم ، أما الباحث في علوم التراث والتاريخ ، فهو الأخير في حيرة أيضا أمام ما يراه من نهب وسرقة لتراث الحضارات الإنسانية والإسلامية من المتاحف والجامعات والممتلكات العامة ، والآثار المستخرجة من باطن الأرض ، وسلب المخطوطات والوثائق النادرة من خزائن ومكتبات بعض الأعيان والعلماء وغيرهم ؟
وليس الأمر جديدا، إذ شهد تاريخنا اعظم كارثة سطو على موروثنا العلمي بسقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية ، مشعل النور الذي يشع سناه على العالم آنذاك ، وكيف أتلف رعاع المغول وسراقهم اعظم المكتبات ، التي اكتنزت علوم الحضارات التي حطت على الأرض سواء من بابلية واغريقية ورومانية وغيرها ، ومقتنيات نمرود وما بعده ، وحضارات الإسلام رحلوها كلها ؟
فإذا أبيحت الأوطان كان ما دون ذلك سهل ميّسر هيّن على من يأخذه ، وكما قيل ” فما لجرح بميت إيلام ” لو تقطع جزء منه أو أجزاء منه أو كله ، فلن يتحرك أو يتألم .
لقد أخذ الغرب ومازال يأخذ ، بل قل نهب ورحل بتراثنا الى أوطانه، منذ القرن التاسع عشر ، لقد أخذوا ما أتقنته وابقته أيدي أهل المدنيات القديمة ، وقد دخل معهم وما زال على الخط إسرائيل ،التي غصت خرائنها بتراث الإنسانية المنهوب من العراق وسورية، مما يعجر الإسرائيليون عن جرده وفهرسته سنوات طويلة .
مارست بعثات البحث عن الأثار الغربية المتسترة بالعلم نهب الآثار وسلب المخطوطات منذ أزمان بعيدة ، وهي تنقل هذه الآثار لبلادها وتزين فيها متاحفها ، بل وتباع في المزادات ، ونتيجة للمطالبات من أصحابها الشرعيين ، منهم من أرجعها ، ، ومنهم من اشتراها ، ومنهم من لم يلق سمعاً لأحد .
يحزنني ويحزن الكثير من المهتمين بالآثار ،ولا أعني بهم باعة الأنتيك ممن يبحثون عن المال بمختلف صوره ، حتى لو كان ببيع تاريخ أوطانهم وأهلهم ، وانما عنيت حزن العلماء في كل العالم ممن تألموا لما فعلته جيوش أميركة وبريطانية والغرب بالعراق ، حيث افسدوا كل شيء فيه ،ومنها سرقة الأثار.
واليوم تتكرر تلك الكارثة في غزة بتدمير إسرائيل المتعمد لمركز التخطيط الفلسطيني وحرقه ومساواته بالأرض في محاولة لطمس الموروث التراثي والثقافي والفني الفلسطيني عبر التاريخ ـوالتعمية على ما وثقته من جرائم الاحتلال .. كل محاولات الاجتثاث والطمس لن تنجح طالما بقي هناك شعب يقاوم .
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا