الحلقة الأولى
ومضات على تطور التدوين والكتابة في العصور الإسلامية
تراثنا – التحرير
قد يغيب عن علم الكثيرين أن حرص المسلمين الأوائل على حفظ وصيانة القرآن الكريم ، وتدوينه ونشره في الأصقاع ،وتناقل علومه وفنونه بين الأمصار ، وراء نهضة عربية إسلامية شاملة ، كانت وراء الارتقاء بالعرب إلى صفوف التقدم في تدوين الأحاديث والأشعار و والأنساب والآداب في مختلف الفنون وعلومها، مازلنا نجني ثمارها إلى اليوم .
حول البدايات وانطلاقتها ، اعطي الباحث فلاح محمد الهاجري في دراسة أعدها ( النص العربي .. أصوله ، تحقيقه ، إخراجه ) ، اطلالة غنية وقيمة ، تسهم في معرفة ابعاد تطور فنون النص العربي والجهود المبذولة بشأنه عبر التاريخ . (*) .
تمهيد
إن تحقيق النصوص ليس فناً غريباً مستحدثاً ، وأنما هو عربي أصيل قديم ، وضع أصوله أسلافنا العرب ، منذ زاولو العلم وروايته من الحديث والشعر والأدب ، وسائر فنون الثقافة ، وكان نشاطهم في ذلك ظاهراً ملء السمع والبصر .
اول : أول نص إسلامي مكتوب
لما ولي أبو بكر ” رضي الله عنه” الخلافة ، وكان ما كان من قتل القرَّاء باليمامة ، عمد ” رضي الله ” عنه إلى جمع القرآن من صدور الرجال ، ومن العُسُب والرّقاع واللحف والأكناف والأضاع ، فحُفظ القرآن بذلك .
ثم تعددت مصاحف المسلمين حتى جمعها عثمان ” رضي الله عنه” على مصحف واحد ، بعث إلى كل أفق بصورة منه ، لذلك نستطيع أن نقول : إن القرآن الكريم أوَّل نص إسلامي مكتوب وصل إلينا .
ثانيا : أوائل المصنفات
بعد أتساع رقعة الدولة الإسلامية في خلافة بني أميّة ، واختلاط العرب بالأعاجم ، وحفاظاً على استقامة اللسان العربي ،كان لا بد من أن يُنظم علم النحو ، وتوضع فيه أوائل المصنفات .
وكذلك الأمر بالنسبة لشتى علوم الدين ، وبدأ الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – بتدوين الحديث ، فدّون ما كان يحفظه في كتاب ، بعث به إلى الأمصار ، وكانت هذه الفترة تظهر جهود أخرى للتأليف المبكر ، ومنها : ما ألفه عبد بن شرية من أخبار اليمن وأشعارها وانسابها ، وما ألفه وهب ابن منبه ( ت /110 هجري ) من كتاب التيجان في ملوك حِمْيَر ، وكتاب مثالب العرب الذي وضعه زياد بن أبيه لابنه .. وغيرها .
أما في خلافة بني العباس ، فبدأت صناعة التأليف تتسع ، ويُنظم العلم فيها مقرونا بالضبط و التصحيح ، فوضعت مسانيد الحديث وكتبه في كل صقع .
وظهرت الكتب في شتى الفنون الدينية ، محتفظة بالطابع الذي غلب على المحدثين ، وهو إسناد الرواية إلى مؤلف الكتاب ، وسرى بين المؤلفين قواعد يلتزمونها في السماع والرواية ، والقراءة على الشيخ والإجادة ، والمكاتبة والوجادة
.
وصار أهل الآفاق يتناقلونها ، وينسخونها بالخطوط اليدوية ، إلا أنها لم تسلم من بعض التصحيف .
طالع ( الحلقة الثانية ) : أخطاء جسيمة يقع فيها النساخون
طالع ( الحلقة الثالثة ) : عمر الورق والمداد ونوع الخط يكشف زيف المخطوطة .
ثالثا : الوراق والوراقون
أول ما كتب العرب على عسب النخل وأكناف الإبل والحجارة البيضاء العريضة ، ثم كتبوا في الجلود المدبوغة ، ثم لما كثر التدوين ، أشار الفضل بين يحيى بصناعة البرمكي الكاغد وصنعته .
ثم انتشرت الكتابة على الورق ، وكتب فيه رسائل السلطان وصكوكه ،وأتخذ الناس من بعده صحفاً لمكتوباتهم السلطانية والعلمية ، ولا سيما في عهد الرشيد ” رحمه الله ” .
ولما اتسع نطاق الدولة ، وكثرت الدواوين والتآليف العلمية ، ظهرت صناعة الوراقين في النسخ والتصحيح والتجليد ،وكان لهم مكان في الأمصار ،فهم بمثابة المطابع الحديثة ، وكان لهم أسواق في بعض الأمصار بمثابة المعاهد العلمية ، ومن أوائل هؤلاء الوراقين خالد بن أبي الهياج ، ومنهم من العلماء محمد بن الحسن بن الهيثم المهندس البصري ( ت/430 هجري ) وغيرهم .
انقر : لمطالعة حلقات
دراسة النص العربي وأصوله وتحقيقه واخراجه
يتبع لاحقا : ( أصول النصوص )
(*) : نقلاً عن مطوية صادرة عن مجلة الوعي الإسلامي الكويتية رقم (3) هدية العدد ( 642 ) 2018 م .
الصور :
.( جواد درويش ) ( د .صباخ بخاري ) ( EICK KWAKKED )
تواصل مع تراثنا