الحلقة (30)
تراثنا – التحرير :
في الحلقة (30)، تواصل تراثنا نشر متفرقات منتقاة من كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية) لمؤلفه : محمد بن علي ابن طباطبا (1260 – 1309 هجرية).
يستكمل ابن طباطبا تقديم إرشاداته ومشورته لمن وُكل إليهم أمر سياسة العباد ويحكي في السطور التالية كيفية نشوء الدواوين في دولة الخلافة الإسلامية بعد توسع الدولة وزيادة إيراداتها من الخراج في الصفحات (83 -84)، وجاء فيها قوله :
كان المسلمون هم الجند ، وكان قتالهم لأجل الدين لا لأجل الدنيا ، وكان لا يزال فيهم دائماً من يبذل شطراً صالحاً من ماله في وجوه البر والقُرب. وكانوا لا يريدون على إسلامهم ونصرهم لنبيهم ، صلوات الله عليه وسلامة ، جزاء ألا من عند الله تعالى .
ولم يفرض النبي عليه الصلاة والسلام ، ولا أبو بكر رضي الله عنه ، لهم عطاء مقرراً ، ولكن كانوا إذا غزوا وغنموا أخذوا نصيباً من الغنائم قررته الشريعة لهم .
وإذا ورد على المدينة مالٌ من بعض البلاد أُحضر إلى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، وفُرق فيهم على حسب ما يراه ، وجرى الأمر على ذلك مدة خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
الدواوين وعمر بن الخطاب
فلما كانت سنة خمس عشرة من الهجرة وهي خلافة عمر رضي الله عنه ،رأي أن الفتوح قد توالت ، وأن كنوز الأكاسرة قد مُلكت ، وأن الحُمول من الذهب والفضة والجواهر النفيسة والثياب الفاخرة قد تتابعت ، فرأى التوسيع على المسلمين ، وتفريق تلك الأموال فيهم ، ولم يكن يعرف كيف يصنع وكيف يضبط ذلك .
وكان بالمدينة بعض مَرَازبة الفُرس ، فلما رأى حيرة عمر قال له : يا أمير المؤمنين إن للأكاسرة شيئاً يسمونه ديواناً ، جميع دخلهم وخرجهم مضبوط فيه لا يشذ منه شيء ،وأهل العطاء مرتبون فيه مراتب ، لا يتطرق عليها خلل .
فنتنبه عمر رضي الله عنه ، وقال : صفه لي ، فوصفه المرزبان ، ففطن عمر لذلك ودوَّن الدواوين ،وفرض العطاء ، فجعل لكل واحد من المسلمين نوعا مقرراً ، وفرض لزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولسراريه وأقاربه حتي استنفذ الحاصل ،ولم يدخر في بيت المال شيئاً .
قالوا : فقام إليه رجل وقال ، يا أمير المؤمنين لو تركت في بيوت الأموال شيئاً يكون عدة لحادث إن حدث ،فزجره عمر وقال : كلمة ألقاها الشيطان على فيك وقاني الله شرها ، وهي فتنة لمن بعدي، إني لا أعد للحادث الذي يحدث سوى طاعة الله ورسوله ، فهي عُدتنا التي بها بلغنا ما بلغناه .
العطاء حسب السبق إلى الإسلام
ثم إن عمر رأي أن يجعل العطاء على حسب السبق إلى الإسلام ، والى نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، في موطن حروبه ، ثم استخدم الكتَّاب في الدواوين ،وأمرهم بترتيب الطبقات وضبط العطاء .
الأولوية للعباس وبني هاشم
فقالوا: بمن نبدأ يا أمير المؤمنين ؟ فأشار ناس من الصحابة عليه بأن يبدأ بنفسه، وقالوا : أنت أمير المؤمنين وتقديمك واجب ، فكره عمر ذلك وقال : ابدأوا بالعباس عم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وببني هاشم ثم بمن بعدهم طبقة بعد طبقة ، وضعوا آل الخطاب حيث وضعهم الله عز وجل .
ثم في آخر خلافته خطر له تغيير هذا الرأي، وأن يُفرض لكل واحد من المسلمين أربعة آلاف ، وقال : الف يجعلها نفقة لعياله إذا خرج إلى الحرب ، وألف يتجهز بها ، وألف يصحبها معه ، وألف يرتفق بها ، فمات عمر رضي الله عنه ، قبل إتمام هذا الرأي .
كاتب وكتاب
* كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية)، للمؤلف محمد بن علي بن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) ، يقع في 360 صفحة ، نشر دار صادر – بيروت ،مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق .
تواصل مع تراثنا