حديث التاريخ من الكتب – الحلقة (4)

كتاب : على طريق الهند – رسائل الأهالي

 

 

تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني *:

 

التاريخ لا يحابي أحداً ، فما غاب عنا لم يغب عن غيرنا ، وما لم نعرفه اليوم سنعرفه في الغد ، ولن يستطيع أحد أن يستر الحقيقة ، أو يخفيها ، ولا سيما اليوم في عصر التقنية الجديدة المتجددة المرعبة .

 

هذه الرسالة تحكي متابعة في الكتب والأوراق المبعثرة والوثائق وغيرها عن تاريخ الكويت وحكامها ورجالاتها من الذين كان لهم دورهم في نهضتها وعمرانها ، دللت فيه على مكانها مع ذكر عناوين مادتها وموضوعها .

 

أرجو أن يكون معيناً للدارسين والباحثين في هذا الشأن .

 

• الكويت كانت الكفة الأرجح لإنشاء خط قطار حديدي بريطاني فُضلت من بين  مقترحات عدة تحقق المصالح البريطانية في المنطقة النفطية .

• الشيخ مبارك الصباح يقبل الحماية البريطانية على الكويت ومن بنودها عدم إبرام اتفاقيات مع دولة أخرى سواها مما قطع الطريق على ألمانية .

• الدولة العثمانية ترسل حملة للكويت للضغط على مبارك والإعتراف بتابعيته لها فسارعت بريطانية بإرسال مدرعة إنذاراً للسطان العثماني !

 

 

 

 

في الحلقة السابقة (الثالثة) ، استعرضت تراثنا كتاب (على طريق الهند – رسائل الأهالي) لمؤلفه إبراهيم عبدالفتاح حيث جاء على ذكر سعي بريطانيا  لتوسيع ملكيتها في شركة نفط  (شركة النفط الأنكليزية الفارسية) لحماية مصالحها النفطية في إيران والمنطقة ولو بقوة السلاح ضد المنافسين ، وقد عملت على بسط نفوذها عبر تشريعات برلمانية .

 

 

 

وفي التفاصيل يوضح الكاتب عبدالفتاح أنه : وقد أيدت اللجنة البرلمانية في التقرير الذي قدمته عن هذا المشروع (نقل البحرية البريطانية من جزيرة قشم الايرانية إلى البحرين) ، كثير من الفوائد الآنفة(1) وسجلت في تقريرها أهم المقترحات بشأن بدايته ونهايته وهي :

 

 

– أن يبدأ من الاسكندرونة أو السويداء ،ويمر بحلب ويقطع الفرات قرب قصر جابر ، ثم يمتد محاذياً ضفة النهر اليمنى ، وينتهي عند الكويت .

 

-أن يمتد على الوجه المذكور في الاقتراح الثالث على أن يحاذي الضفة اليسرى لنهر دجلة .

 

-أن يبدأ الخط من طرابلس الشام ويقطع الصحراء عن طريق الشام وتدمر إلى الفرات ويمتد في إحدى الطرق الآنفة محاذياً للفرات .

 

 

وقد ارتأى البعض أن تكون بداية الخط على البحر الأبيض المتوسط في الاسكندرونه لصلاحها لرسو السفن ، واعترض آخرون على ذلك لكثرة الأمراض في هذا البلد ولوعورة المسالك التي يمر بها الخط الخارج منه .

 

واقتراح البعض الآخر ان تكون السويداء بداية الخط بالرغم من أن مينائها غير صالح ، ذلك لخلوها من الأمراض ، أما نهاية الخط على الخليج العربي (2) فقد ارتؤي أن تكون الكويت أو البصرة أو المحمرة أو خور عبدالله أو بوشهر، ألا أن كفة الكويت كانت هي الراجحة ، واقترح البعض أن يوصل الخط بكراجي .

 

وأرتأت اللجنة ان الخط الذي يمتد محاذياً بمجرى الفرات يلائم المصالح الدفاعية ، أما الذي يمتد محاذياً مجرى دجلة ويمر بديار بكر ، فأكثر ملائمة للمصالح التجارية .

 

هذه خلاصة قصة سكة حديد وادي الفرات التي بقيت مداراً للبحث حوالي مئة عام ، وكانت من أهم العوامل التي ساقت بريطانية إلى الاهتمام بشئوون الشرق الأدنى والخليج العربي (3) ، وروجت فكرة حاجة الامبراطورية إلى السيطرة على بلاد الرافدين لضمان سلامة أقصر الطرق إلى الهند ، ص(8 – 80 ، 79).

 

 

 

يستطرد المؤلف قائلا :على أن أقوى ما ساق بريطانية إلى مقاومة المشروع خوفها على طريق الهند، قوام حياة الرأسمالية فيها والدرة اللامعة في التاج البريطاني الامبراطوري ، فقد كانت بريطانية مصممة على أن لا تترك طريقاً إلى الهند إلا وتكون هي المسيطرة عليه .

 

ويشير المؤلف إلى أن بريطانية رأت أن تقوم بإنشاء سكة حديد بغداد التي تمر بأقرب الطرق إلى الهند من دون أن يكون لها شريط منها أو أن تمانع في إنشائها من قبل أي دولة أخرى بكل ما أوتيت من حول وقوة ، فراحت تحث على الطواريء منذ أن أخذ الألمان يمهدون سبيل الحصول على المشروع في استانبول بالتقرب إلى السلطان ، وكانت تعلم أن النجاح لن يتحقق للمشروع إلا إذا انتهى بالخليج العربي  .

 

فلم تكد تسمع بنية الألمان أن يجعلوا الكويت نهاية لهذه السكة حتى أوعز اللورد كرزون ، وكان نائب الملك في الهند ، الي الكولونيل ميد ، المقيم البريطاني في الخليج العربي يومئذ ، ان يسرع إلى مقابلة شيخ الكويت ليعقد معه إتقافية جديدة تضمن لبريطانية اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تقدم الألمان إلى هذا  الميناء .

 

وقد نجح الكولونيل ميد في إقناع الشيخ بقبول الحماية البريطانية والامتناع عن عقد أي اتفاق مع  دولة غير بريطانية قبل الحصول على موافقة المقيم البريطاني ، فلما زارت البعثة الجرمانية الكويت سنة 1900م ، قابلها الشيخ بجفاء ، لم يفتح باب للمفاوضة ،فحاول السلطان عبدالحميد أن يرغمه على الاعتراف بتابعيته إلى الدولة العثمانية بارسال حملة إلى الكويت ، ولكن الحكومة البريطانية قابلت عمل السلطان بإرسال مدرعة بريطانية إنذاراً له بإن قد أزيل من هذه البقعة .

 

وقد أصرت بريطانية إلى النهاية على عدم فسح المجال لتسرب النفوذ الألماني إلى الخليج ، (ص  125 – 126) .

 

وكتب السر أدوارد كري في 7 تموز (يوليو 1907) إلى سفير بريطانية في باريس أن يقترح عليه ترويج فكرة تجزئة  سكة حديد بغداد ليتسنى للحكومة الإنكليزية أن تقوم بإنشاء الخط الذي يمتد بالعراق والسيطرة عليه .

 

وطلب سفير بريطانية من برلين إلى حكومته أن تصر على جعل القسم الذي يمتد في العراق حتى الخليج العربي من حصتها ، واعلم البارون مارشال حكومته أن الصدر الأعظم أخبره سراً بان المستر تشرشل والجنرال السر هملتون بلغا محمود شوكت باشا ، وزير الحربية بأن شركة انكليزية تنوى ان تطلب إلى الحكومة العثمانية منحها امتياز إنشاء سكة حديد تمتد بين بغداد والكويت وتمر بالبصرة من دون أية مساعدة، وأن برقية بهذا المفاد قد وصلت الباب العالي من توفيق باشا ، سفير الدولة العثمانية في لندن ، وأن هذا الأمر قد أقلق بال حلمي باشا الصدر الأعظم لأنه لا يري حكومته لأسباب سياسة قادرة على منح مثل هذا الامتياز لشركة انكليزية ، ولأن الحكومة العثمانية لا تستطيع كذلك ان تجد لنفسها مبرراً لرفض هذا الطلب بعد أن أذنت للشركة الألمانية بإنشاء مثل هذه السكة (ص 219- 130).

 

 

يتبع لاحقاً ..

 

 

طالع الحلقة السابقة (الثالثة) :

بريطانية تعزز نفوذها بالخليج عبر شبكة طيران وتواجد عسكري

 

 

هامش :

 

1- وكانت هذه الفوائد بالنسبة لبريطانية مسطورة في الصفحات من 72-78 .

2- الاصل: الخليج الفارسي.

3- ألأصل :الخليج الفارسي .

 

 

نقلا عن تراثنا العدد 86

أنقر لتفاصيل العدد

 

 

 

 

 

تواصل مع تراثنا