كان أولو مشورة بلقيس ثلاث مئة واثنى عشر كل رجل منهم على عشرة الآف
تراثنا – د. محمد بن إبراهيم الشيباني * :
بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل، من بني يعفر بن سكسك ، من حمير : ملكة سبأ، يمانية من أهل مأرب ، وليت أمر اليمن كله وأنقادت لها أقيال حمير ، فزحفت بالجيوش إلى بابل وفارس ، فخضع لها الناس ، وعادت إلى اليمن فاتخذت مدينة «سبأ» قاعدة لها .
وظهر سليمان بن داود ، النبي الملك الحكيم ، بتدمر وركب الرياح إلى الحجاز واليمن ، وآمن اليمانيون بدعوته إلى الله ، وكانوا يعبدون الشمس. ودخل مدينة « سبأ» فاستقبلته بلقيس بحاشية كبيرة ، وقيل انه تزوجها ، وأقامت معه سبع
سنين واشهراً ، وتوفيت فدفنها بتدمر . وانكشف تابوتها في عصر الوليد ابن عبدالملك ، وعليه كتابة تدل على أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من ملك سليمان ، ورفع غطاء التابوت فإذا هي غضه لم يتغير جسمها ، فرفع ذلك إلى الوليد ، فأمر بترك التابوت في مكانه وأن يبنى عليه بالصخر .
هذا ماتحدث بها المؤرخون والمترجمون لسيرتها مما يدل على شجاعتها وذكائها وسوسها للأمم التي حكمتها أو انتصرت عليها أو حكمها « لسبأ « التي كانت ملكة عليها قبل أن يأتيها كتاب سليمان وردها عليه بالحكمة والسياسة بعد المشورة .
(بسم الله الرحمن الرحيم ، من سليمان بن داود ، إلى بلقيس بنت ذي سرح وقومها ، أما بعد: فلا تعلو عليّ وأتوني مسلمين ) فلما قرأته ، فإذا فيه : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ، أن لاتعلوا عليّّ وأتوني مسلمين) (النمل:31).
أهل مشورتها : كان أولو مشورة بلقيس ثلاث مئة واثنى عشر كل رجل منهم على عشرة الآف ولها ست مئة امرأة تلى الخدمة . وكان تحت يدها اثنا عشر ألف قيول . والقيول بلسانهم الملك تحت يد كل ملك مئة ألف مقاتل .
ملكها : وقد أوتيت من كل شيء يؤتاه الملك في عاجل الدنيا مما يكون عندهم من العتاد والآلة . وقيل من كل آمر الدنيا. ( إني وجدت امرأة تملكم وأوتيت من كل شيء ).
عرشها : ( ولها عرش عظيم ) ( :23 ) . عظيم القدر والخطر ، حسن الصنع من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ .
ذكاؤها وحكمتها : ( قالت ياأيها الملأ افتوني في أمري ماكنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ) (32) تركت الأمر لابداء الرأي ولكنهم ذكروها بقوتهم وانتصاراتهم السابقة وشدة بأسهم ( قالوا نحن أولوا قوة واولوا بأس شديد ) ( قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذله وكذلك يفعلون (34) ( وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون ) (35)
فنحن على قوتنا وسطوتنا وانتصاراتنا ولكن لايعني ذلك اننا من أقوى امم الأرض فلربما يكون هذا الملك اقوى منا واجلد فيجعل عزيزنا ذليلنا فيستعبد احرارنا ويسترقهم ويخرب ديارنا ويفسدها علينا فاتركوا الأمر لي فأرسل له هدية فإن كان من ملوك الدنيا فسيفرح بها وأن كان نبياً لم يرضه منا . وكانت هديتها عظيمة ومذكورة في كتب التاريخ والتفسير .
لقد أوتى سليمان من الملك والأشياء المتطورة من صناعات ومبان وغيرها مالم تره بلقيس في حياتها . فقدرة الله فوق كل قدرة والله يفعل مايشاء .
التهويس والصدامية ووضع المبادرة في موضع التحدي والعندية والانتصار الباهر لن يوصل هذه أو تلك من المبادرات والقرارات إلى لم الشعب إنما إنشغاله ببعضه وتفتيت مايسمى بالوحدة الوطنية والتلاحم في مواجهة الخطر الواحد والعدو الواحد فلا غنى للناس بجميع توجهاتهم في الوطن الواحد عن التذكير بالله وبكتابه وبسنة نبيه وعدم اقفاء ذلك في أي وقت من الأوقات ولايتاتى قبول ذلك إلا من الحكماء. (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) ولايقبل حكمة الحكيم إلا حكيم مثله يوزن الأمور بميزان العقل السليم .
نحتاج في هذه الظروف إلى التلاحم والتكاتف وإلى رحمة من الله يرحمنا بها فمتى ما أستغنينا عن الله فسيستغني عنا وإذا استغنى الله عنا فمعروفة النتائج فكفانا تمزق وفرقة ولنفكر بأبعاد كل شيء نقرره . فحكمة بلقيس وسوسها للأمور وهي امرأة ينبغي أن تكون أمامنا دائماً نستفيد منها .
والله الموفق …
*رئيس تجرير تراثنا ومركز المخطوطات والتراث والوثائق