الحلقة ( 12 )
تراثنا – التحرير :
في الحلقة الثانية عشر ، تستأنف تراثنا نشر متفرقات منتقاة من كتاب ( الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية ) لمؤلفه : محمد بن علي بن طباطبا (1260 – 1309 هجرية )، مقدماً نصائحه ومشورته لما يُعين الملوك والسلاطين في شأن سياسة الراعي والرعية.
-
من واجبات الملك على رعيته : حماية البيضة ، تحصين الأطراف ،وإقامة الحدود فيهم، وقمع الدعّار وردع قويهم عن ضعيفهم ، وأنصاف ذليلهم ..
-
قال عمر بن الخطاب عنه لرجل : أني لا أحبك ، قال : فتنُقُصُني من حقي شيئاً :؟ قال عمر : لا . قال الرجل : فما يفرح بالحب بعد هذا إلا النساء.
حقوق الرعية
تحدث المؤلف محمد بن طباطبا في الحلقة السابقة عن حقوق الملك على الرعية ، وفي المقابل ، يقدم رؤيته عن حقوق الرعية على الملك * فيقول : ” وأما الحقوق الواجبة على الملك ، فمنها حماية البيضة وسد الثغور، وتحصين الأطراف ، وأمن السوابل ، وقمع الدّعار ، فهذه حقوق تلزم السلطان ، تجرى مجرى الفروض الواجبة “.
الإمام علي والخوارج
ومضى موضحا : “بهذه الأمور تجب طاعته على رعيته ، وبنحو من هذا احتج الخوارج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، عقيب انقضاء حرب صفين ، قال له : أنت فرَّطت في حفظ هذا الثغر ، يعني ثغر الشام ، بتحكيمك الحكمين ، فأنت مخطيء مفرط ، فليس لك علينا طاعة ، فإن اعترفت بهذا الخطأ واستغفرت ، رجعنا إلى طاعتك ، وقاتلنا معك العدو ، فعرّفهم عليه السلام ، أنه غُلِب رأيه في قضية التحكيم ، وأن التحكيم لم يكن من رأيه ، فأصرّوا على قولهم ولم يقبلوا ، ونابذوه وقاتلوه ، حتى كانت الوقعة المشهورة بالنهروان “.
*طالع الحلقة الحادي عشر : حقوق السلاطين ورعاياهم .
الصبر على الهفوات
ومن حقوق الرعية يقول : “و من الحقوق الواجبة للرعية على الملك الرفق بهم ، والصبر على صادرات هفواتهم ، قال ، صلوات الله عليه وسلامه : ” ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا كان الخُرق في شيء إلا شانه ” ، وقد رُوي عنه ، صلوات الله عليه وسلامه :”من الرفق أشياء لا تليق إلا بمنصب النبوة ” .
ويضرب ابن طباطبا مثالاً على رفق الملوك بالرعية فيقول : ” كان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام كثير الرفق موصوفا به ، دخل مرة إلى الحمام عقيب مرضة طويلة أضعفته وانتهكت قوته ، فأُدخل الحمام وهو في غاية الضعف ، فطلب من مملوك كان واقفاً على رأسه ماءً حاراً ، فأحضر له في طاسة ماء شديد الحرارة ، فلما قرُب منه ، اضطربت يد المملوك فوقعت الطاسة ، فأحرق الماء جسده ، فلم يؤاخذه ولا بكلام ، ثم طلب منه بعد ذلك بساعة ماءً بارداً ، فأحضر في تلك الطاسة ماءً شديد البرد ، فحين قرب منه اتفق له ما اتفق في المرة الأولى من اضطراب يده ، ووقوع الطاسه عليه بذلك الماء الشديد البرد ،فغشى عليه وكاد يموت .
ويستطرد مبيناً : ” فلما أفاق قال للمولى : إن تريد قتلي فعرّفني ؟ ولم يزد على هذه الكلمة ، رضي الله عنه ، قيل تقدم رجل أبخرُ إلى بعض الرؤساء يشاروه فقال له : تنح عني فقد آذيتني ، قال الرجل : لا كرامة ولا عزازة ، ما رأسناك وقمنا بين يديك إلا حتى تحتمل منا ما هو أشد من هذا ، وتصبر منّا على ما هو أغظم منه “.
ويختتم ابن طباطبا هذا الفصل : ” ومما يجب للرعية على الملك ردع قويّهم عن ضعيفهم ، وإنصاف ذليلهم من عزيزهم ، وإقامة الحدود فيهم ، وإقرار حقوقهم مقارّها ، وإغاثة ملهوفهم ،وإجابة مستصرخهم ، والتسوية بين الأبعد منهم والأقرب ، والإذل والأعز ،قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل : أني لا أحبك ، قال : فتنُقُصُني من حقي شيئاً :؟ قال عمر لا . قال الرجل : فما يفرح بالحب بعد هذا إلا النساء “.
ترقب لاحقا ..
– على الملك عرفان نعمة الله عليه .
*ص ( 34-35 )