ثقافة وسياحة ( الحلقة الأولى)
جولة بين المكتبات والتراث العربي والإسلامي في العالم
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
بعد سنين طوال ، تسنت لي أخيراً زيارة البوسنة ، بعد أن كنت مراقباً لأحداثها الأليمة، ومساهماً بالقلم والكتابة عن جرائم حرب البلقان التي نشبت عام 1992 – 1995م.
هذه الحرب الآثمة اشعل نيرانها الصرب بضراوة واسقطت مدافعهم وصواريخهم عشرات ألوف القتلى والجرحى من مسلمي البوسنة والهرسك ، انتقاماً من الدولة العثمانية التي أدخلت الإسلام لهذه البلاد !!
د .الشيباني
-
الشيخ جابر الأحمد- يرحمه الله – يأمر وجيهاً للتواصل معي لدعم مكتبة سراييفو بعد تضررها من حرب البلقان.
-
كان يحدونا الأمل الاطلاع على مخطوطات المكتبة الإسلامية النادرة غير أننا صدمنا بها خاوية على عروشها !
-
أكثر من مليوني كتاب ومخطوط نادر احرقتهم نيران الحرب وتعرض بعضها للنهب والأخر نُقل لأحدى الكليات الجامعية.
وكان الطرف الآخر المشارك والداعم للصرب في تلك الجرائم في حق الإنسانية يوغوسلافيا وكرواتيا، ولم يمهل الله الظالمين فأخذ كل منهم بجريرته وظلمه .
وليس بعيداً عن أجواء الحرب والدمار، حلقت وفريق مكون من عضوي مجلس الوقف في المركز “حمد السنان وصالح القديري” على جناح أحدى الطيران الخاص ، انطلاقاً من ارض الكويت إلى البوسنة ، بحثاً عن ما تبقى من الهوية التراثية والتاريخية لهذا البلد المسلم (البوسنة) ما بعد الحرب والدمار .
كان جدولنا حافلاً ، في شقه الأول استهدفنا البحث عن نوادر مقتنيات التراث والتحف والأنيتك والمخطوطات الإسلامية العريقة في متاحف البوسنة الشهيرة، لإثراء متحف مركز المخطوطات والتراث والوثائق الذي أترأسه ، وفي شقه الثاني كان هدفنا الوقوف على ما تبقى من المعالم التاريخية المهمة التي نجت من حرب البلقان ، ومنها مشاهدة نفق الأمل واللقاء بالسيدة صاحبة البيت التي تبرعت ببيتها ليكون نفقاً يعبر من خلاله المجاهدين والأهالي والاطقم الطبية ومتطلبات الإعاشة للطرف الأخر .
فيما يتعلق بالشق الأول، كانت الأولوية في جدولنا زيارة مكتبة سراييفو الشهيرة ، التي تتكون من 6 إلى 7 طوابق وتأط رفوفها أطاً بالكتب، إذ تعد بالأصل مكتبة إسلامية تحوي المخطوطات النادرة بالإضافة إلى كتب الفنون والحضارات الأخرى ، والتي قيل أنها تزيد على مليوني كتاب ومخطوط منذ تأسيسها في القدم .
كان الأمل يحدونا أن نقوم بجولات بين ربوعها وممراتها وقاعاتها التي سمعنا عنها ، فهي جنة الباحثين ومبتغاهم ، وما زلت أتذكر فيما يأخذنا الطريق إلى تلك المكتبة ، مناشدة كنت كتبتها بعد انتهاء أوار الحرب في صحيفة القبس الكويتية ، داعياً المهتمين المسارعة في إنقاذ هذه المكتبة الشهيرة ـ بثروتها العلمية – التي لا تقدر بثمن من الدمار والنهب ، لا سيما بعد مشاهدتي لفيلم توثيقي يظهر أن الحريق الناجم عن المقذوفات طال أحدى أدوارها ونوافذها فقط والحقت بها بعض الأضرار.
وعلى أثر تلك المناشدة ، فوجئت باتصال غير متوقع من أحد وجهاء الكويت بإيعاز من أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح – يرحمه الله – لتوفير الدعم اللازم لإنقاذ هذه المكتبة ومحتوياتها ،ولكن اتضح لاحقاً بأنها تعرضت للحرق والنهب، فيما نقلت بعض الكتب والمخطوطات الناجية إلى أحدى الكليات الجامعية .
وعند وصولنا إلى مكتبة سراييفو مستبشرين بإعادة ما سرق أو ترميمها من جديد ،إلا أن الغصة ألمت بنا لهول ما رأينا ، فالأدوار السبعة التي نأمل التنقل بين جنباتها ، كانت خاوية على وفاضها تماماً ، لا شيء هناك ، لا كتب ، لا مخطوطات ، لا مقتنيات ، ولا تراث، مجرد قاعات وممرات يعلوها غبار السنين والإهمال والدمار .
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
يتبع لاحقا ..
طالع الحلقة الثانية :
د. الشيباني في البوسنة بحثاً عن أطلال التراث بعد حرب البلقان
تواصل مع تراثنا