من جعبة قراءاتي
من وحي “الدعبسة”(1) بين السطور
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
سؤال علمي ، عثرت عليه بين ثنايا سطور صفحات صفراء مهترئة ، وجهه أحد الكويتيين إلى مختص في إحدي المجلات العلمية المصرية القديمة وهي (المقتطف) عام 1928م.
د. الشيباني
-
سؤال علمي طرحه مواطن كويتي في مطلع القرن العشرين على مجلة متخصصة أثار زوبعة تساؤلات في نفسي .
-
نصيحة للباحثين في المجلات والكتب لا تكتفوا بمطالعة الفهارس بل أقرأوا من الجلدة للجلدة سطراً سطراً !
وكان السؤال عن عدد كريات الدم ، وذلك بقوله : كيف عرف العلماء أن المليمتر المكعب من دم الإنسان فيه خمسة ملايين كرية من الكريات الحمراء ؟
من طرح هذا السؤال العلمي الدقيق جاء في سنة 1928م ، وكانت الكويت حينها عبارة عن مدينة صغيرة ، يتوزع سكانها كافة بين أربعة أحياء أبرزها حي الوسط (نواة الكويت الأولى) والبقية تتوزع على أحياء الشرق والقبلة والمرقاب مع قراها المنتشرة، مثل الجهراء والفحيحيل والشعيبة والفنطاس وأبوحليفة ، وجزرها المأهولة مثل فيلكة ، وهو التقسيم القديم ، أما التقسيم الحديث ، ما بعد الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ، فقد زادت المناطق والقرى ، ومازالت في الزيادة ،
علماء الكويت وأدباءها
الأغلب يعلم أن الكويت في ذلك التاريخ كان فيها كثير من العلماء والأدباء والمثقفين ، على رأسهم الشيخ عبدالعزيز الرشيد ، والشيخ يوسف القناعي ،والشيخ عمر الأزميري ،والشيخ عبدالعزيز آل مبارك وغيرهم “يرحمهم الله”.
أما الأدباء والمثقفون ، فكان الأستاذ حافظ وهبة ، ونوري الموصلي ، ونجم الدين الهندي ، والأديب سلطان الإبراهيم الكليب ، وسليمان العدساني ، والأستاذ الشيخ ناصر بن مبارك الصباح (كعب الأحبار الكويتي) وغيرهم “يرحمهم الله “.
إلا إن السؤال الذي طرحه السائل لمجلة المقتطف في ذلك التاريخ ، كان سؤالاً علمياً بحتاً ، فمن هي الشخصية الكويتية ، أو غير الكويتية التي سألت هذا السؤال ؟؟ وخاصة في زمن شح المكتبات العامة ، بل والخاصة كذلك ، في كثير من البيوت ، وعدم توفر الكتاب ، وأخيراُ : علمية السؤال ، فمن ذا الذي يسأل عن كريات الدم في ذلك الوقت إلا من كان عالماً أو مختصاً ؟
شخصياً ، اعتبر هذا السؤال دلالة على تقدم العلم والثقافة والمعرفة في الكويت آنذاك ،وعثوري على هذا السؤال من بين السطور وغيره من المعلومات النادرة من خلال البحث ، يدخل ضمن تاريخ الكويت وأهلها .
القراءة سطرا سطرا
وعلى الباحث حين يقرا المجلات القديمة أو الحديثة، ومثلها الكتب ، أن يحرص على قراءتها من الجلدة إلى الجلدة ، سطراً سطراً ، ولا يعتمد فهرس المحتويات ، لأنه لا يركز على الدقائق ، مثل هذا السؤال ، الذي كانت أسطره لا تتعدى الخمسة ، إلا إن فيها من الكم الكبير من الاسقاطات العلمية والثقافية والاجتماعية التي تعكس صورة المجتمع الكويتي في حقبة منسية .
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
1– معنى : دعبس في اللغة
تواصل مع تراثنا