من أرشيف اخبار تراثنا
الرمال تبتلع 50 ألفاً من الجنود الموكلة إليهم احتلال مصر عام 525 ق.م
تراثنا – التحرير :
من أرشيف تراثنا الأخباري : عثر فريق من الباحثين الايطاليين على رفات الجيش الفارسي الذي فُقد قبل 2500 سنة في متاهة الصحراء المصرية ، وذلك قبل أن يتمكن من احتلال مصر ، وبعد أن تحول فقدان الجيش الفارسي في بحر الرمال إلى لغز غامض .
استطاع فريق من الباحثين الايطاليين المكون من الشقيقين التوأمين انجلو والفردو كاستيجليوني من حل هذا اللغز ، وذلك بعد أن وجد الفريق المئات من الهياكل العظمية ، وإلى جانبها أسلحة برونزية واقراط فضية في القسم الغربي من الصحراء المصرية ،أما فلول الجيش فقد ابتلعتها عاصفة ترابية عاتية فأصبحت أثراً بعد عين .
ونقل كل من موقع ” أس أم ان ” و ” ناشيونال جيوغرافيك ” هذا النبأ المتعلق بالجيش الاخميني ، هي السلالة المؤسسة للملكية الفارسية في إيران الذي ضربته عاصفة عاتية ، فقضت عليه بجنوده الخمسين الفاً ، قبل أن يتحقق المهمة الموكلة إليه من قبل الملك قمبيز الثاني ، في سنة 525 قبل ميلاد السيد المسيح (*).
ومن جهة أخرى ، ذكر موقع ( العربية ) ان جيوش ملك الفرس قمبيز الذي بدأ بعد أربعة سنوات من حكمه تحركت في التخطيط لاحتلال مصر وضمها إلى الإمبراطورية الفارسية ، فأرسل جنوده التي بلغ عديدها خمسين ألفاً لشن هجوم على واحة سيوه وتدمير معبد آمون، ولكن الجيوش التي قطعت أميالا وأميالا في الصحراء المصرية قد اختفت، ومنذ ذلك الحين لم يعرف أحد سر اختفائها.
ونقلت ( العربية ) إلى أن داريو دل بوفالو، عضو الهيئة العلمية لجامعة “لسه” الايطالية يقول بهذا الخصوص: نحن حصلنا لأول مرة على الشواهد التاريخية في قصة للمؤرخ اليوناني هيرودوت الذي قال فيها بأن قمبيز ابن قوروش وجه معارضة لرجال الدين المصريين ضد مزاعمه بشأن هذا البلد الامر الذي دفعه الى المحاولة لغزو منطقة سيوة بهدف هدم معبد آمون هناك.
وتذكر رواية هيرودت بأن الجيش الفارسي وصل الى ابواب مدينة الخارجة عاصمة الوادي الجديد والتي تعرف اليوم باسم الواحات الخارجة وذلك بعد أن ترجل في الصحراء لمدة سبعة ايام، الا أنه تعرض لرياح ترابية عاتية وانقطعت اخباره بعد ذلك بالكامل.
وقام اسكندر الكبير بزيارة معبد آمون عام 332 قبل الميلاد معتبرا المعبد متعلقاً بابن زيوس أشهر الشخصيات الميثولوجيا الإغريقية، فهو إله السماء والرعد، وهو أكبر الآلهة الأولمبية.
وكانت رواية الجيش الفارسي الضائع في الصحراء المصرية أقرب الى القصص الخيالية، لاسيما لم يبق أي أثر لهذا الجيش الكبير، ولكن بهذا الكشف للأخوين الايطاليين وازاحتهما الرمال من على رفات الغزاة الأخمينيين واسلحتهم تم التأكيد من صحة رواية هيرودوت.
(*) نُشر التقرير في عدد مجلة تراثنا 41 الصادر في ربيع الثاني – جمادي 1431 / أبريل – مايو 2010 م .
صور : ( منظمة اعلاميون حول العالم ) ( شبكة الانترنت وارشيف تراثنا ) .
من علامات فلاح الأمة المحمدية
قال أحد الدعاة الأبرار : ( إن سير عظماء الرجال لاتحيط بها الأقوال ، ولا يسعها الرصد التاريخي ، لأنها قطعة من الحياة المتحركة المتوثبة التي لاتعرف لها قرارا ولا لحركتها هدوءًا ) ، فكيف إذا كان هذا العظيم مُحَمَّدًا خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم صلوات ربي وسلامه أجمعين ! وأي موعظة نستقيها من عذوبة ذكرى بعثته عليه الصلاة والسلام ، ففي صلى الله عليه وسلم تستجمع العقول قدراتها وبعضها لبعض ظهير ، علها تقف على شاطئ بحر عباب من العقيدة والقيم والأخلاق والسيرة المحمودة في الأرض والسماء ، والأثر الإيجابي في إعمار هذا الكون بمعنى الإنسانية المميزة بالإيمانُ بالله ، وبوشائج الإخاء الإنساني ، وبمنطلقات الحياة في كل اتجاهاتها ، كالصبرُ على الابتلاء ، وعدمُ السقوطِ في دوامةِ الجزعِ واليأسِ عند نزولِ المصائب ، والابتهاجُ بمشاعرِ الرِّضا والتفاؤلِ ، والتوكُّلُ الصحيحُ على الله سبحانه وتعالى هي علاماتُ الفلاحِ للمؤمنين . فالدنيا دارُ عملٍ وابتلاء ، يقول سبحانه : تبارك الذي بيده الملكُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير (1) الذي خلق الموتَ والحياةَ ليبلُوَكم أيُّكم أحسنُ عملا وهو العزيزُ الغفور (2) الملك . إنَّ نورَ الإيمان بالله يَهَبُ المؤمنَ وعيًا يتعاملُ من خلاله مع حالات الابتلاء ، ويجسِّدُ طاقةَ الصَّبرِ حتى تكونَ عبادةً … عبادةً لها ثوابٌ جزيلٌ ، ولها عاقبةٌ محمودةٌ في تربيةِ النفسِ ، والسُّمُوِّ بالروحِ ، وفي تقويم السلوك ، فلا يضيقُ الصَّدرُ من المكاره ، ولا تتأذَّى الروحُ من وطأةِ القلقِ ، ولا ينحرفُ السلوكُ من أثرِ انفعالاتٍ غاشمةٍ تجتاحُ النفسَ ، ، فيخرج الإنسانُ ــ بعدَ أن تردَّى ــ من ظلِّ العبوديةِ للهِ إلى تبارِ الحسرةِ على ما فرَّطَ في جنبِ الله . حيثُ فقدَ الأمنَ الذي يرافقُ مسيرةَ المؤمنِ الصَّابرِ الناجح في اختبار الابتلاءِ . والناجح في حُسْنِ اقتفاءِ سيرةِ النبيِّ ، ونالَ وِسامَ الأسوةِ الحسنةِ في حياته الدنيويةِ . بل زادَه هذا الابتلاءُ إيمانا على إيمانِه ، وتسليما مباركا لحكمِ ربِّه في قضائه وقدرِه ، وتضعنا ذكرى بعثته والأمة تعاني الشدائد ، فلنقف في هذا المضمار …
إنَّ الابتلاءَ ــ في حقيقةِ الأمرِ ــ هو مركبُ السُّمُوِّ بالنفسِ ، والتَّعالي بها على مطامعِ الحياةِ الدنيا ، ويكفي المؤمنُ المُبتَلَى كرامةً وشرفًا أنَّ اللهَ يحبُّه ، وفي نصوصِ شريعتِنا الإسلاميةِ الغرَّاء أنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبدا ابتلاه ، فإذا نجحَ العبدُ المُبتَلَى نالَ رحمةَ اللهِ تبارك وتعالى ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون (157) البقرة . وفي نصوصِ شريعتنا المحمَّديةِ أنَّ الابتلاء يكفِّرُ الذنوبَ ويحطُّ الخطايا ، ويملأ صدرَ المؤمنِ المُبتَلَى هدى ونورا يقول النبيُّ : ( ما من مسلمٍ يصيبُه أذى شوكةٍ فما فوقَها إلا حـطَّ اللهُ له بها من خطاياه ،كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) رواه النسائي .والمؤمنُ يحوِّلُ الابتلاءَ إلى عمليةِ صبرٍ فيها أدواتُها البارعةُ للنجاح من قدرةٍ وإرادةٍ ويقينٍ بالله . ويرتدي به ثوبَ الاستسلام لأمرِ الله ، فلا ثوبَ للمؤمنِ غيرُه ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) . فبشرى لهذا المؤمنِ الذي فاز بحبِّ اللهِ ومغفرتِه .
هذا منهجُ أهلِ الهدى ، وهو الدليلُ على صحةِ الإيمانِ ، والنُّضجِ في وضوحِ معنى الاستسلامِ لله فيما قضى وقدَّرَ . والإيمانُ الحقُّ يعيدُ طبيعةَ الفطرةِ إلى مسارِها الصحيح في حياة المؤمنِ ، مهما كانت المتغيراتُ ، فلا تجدُ النفسَ التي يغشاها القلق ، ولا فتورَ وَقدةِ الرضا بقضاءِ الله ، وإنما تجدُ النفسَ المطمئنةَ مع صدقِ التَّوجهِ الذي يؤكدُ على بشريةَ الانفعال وضبطِه ، كيلا يخرجَ عن حدودِ الأمر الإلهي ، لقد مات ابنُ رسولِ الله إبراهيمُ عليه السلام فدمعت عينا ه ، وحزن قلبُه على فراق طفلِه ، وهذا من صحة الإيمان لتعليم الناسِ ، وهو من طبيعةِ الفطرة التي خلق اللهُ الناسًَ عليها . وهي تشكل خطابا إيجابيًّا لكل مسلم يعيشُ حالات الابتلاء المتنوعة ، وتشكل خطابا إيجابيا للأمة المسلمة وهي تواجه اليوم النوازل والنكبات من أعدائها . وتلك إشراقةٌ نورانيةٌ إيمانية تجدِّدُ العلاقةَ بين المسلم وربِّه ، وبين الأمةِ وخالقِها جلَّ وعلا . لتتخطَّى العثراتِ والعقبات المتمثلة بالإحباط والشعور بالعجز ، وامتداد الكآبة السلبيَّةِ على مجمل حياتِها .
وهنا لابدَّ للمسلمِ المُبتَلَى ، وللأمةِ المُبتلاةِ من استقبال تلك الإشراقة النورانية المتمثلة بالشوقِ إلى الله ، وبالحب لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالعودة إلى التشريع الإسلامي المنيف للبحثِ عن مواطن رضا الله سبحانه وتعالى ، والقيام بواجباتِ العبودية الحقَّةِ ، لكيلا تبقى الأمةُ مسرفةً على نفسِها ، مستكبرةً ببعدِها عن دينها ، معرضةً عن خيرٍ يواتيها . فإن هي آبتْ إلى الله فسوف يكفِّرُ اللهُ عنها ذنوبَها ويرفع أثقالَها ، ويصلحُ بالَها ، ويجعل لها من أمرِها فرجا ومخرجا وفتحا مبينا . وهنا تأتي قيمُ الإيمانِ روافدَ لهذه الأوبةِ من إخلاصٍ لله ، وحضور واعٍ في الحياة ، ولتجافي الأمةُ المعاصي والآثام . وبذلك يصلح الأمرُ ، فصلاحُ دينِ الأمةِ هو عصمةُ الأمر كما جاء عن رسول الله ، وبه تُستَعادُ نعمةَ الطمأنينةِ ، وبه تُبعدُ النقمُ والسَّخطُ ، وتكونُ العافيةُ . فبالتقوى تنشرحُ الصدورُ ، وتكتسبُ القلوبُ القوةَ ، ويكون امتدادُ الحياةِ للمسلمِ وللأمةِ المسلمةِ زيادةً في الخيرات بإذنِ الله .
لقد أُصيبت الأمةُ في هذا العصرِ بمصائبَ عظيمةٍ ، وابتلاءاتٍ قاسيةٍ ، وذلك بما كسبتْ أيادي أبنائها ، ولن تدفعَ هذه النوازلَ وتزيلَ هذه الابتلاءات إلا الهدايةُ والعودةُ إلى الله . قال تعالى : ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذنِ اللهِ ومَن يؤمنْ باللهِ يهدِ قلبَه ، واللهُ بكلِّ شيءٍ عليم 11/ التغابن . والأمةُ إذا نفضتْ مارانَ على قلوبِ أبنائها من دغلٍ وجفوةٍ لهذا الدين ، وأفاقت من غفلتها ، فإنَّ لها موعدًا مع فتحٍ مبينٍ من ربِّها . وسيكون فتحا عظيما يوازي عِظَمَ البلاءِ الذي حـلَّ بها . روى الترمذي وابنُ ماجة أنَّ رسول الله قال : ( إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاء ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قوما ابتلاهم ، فمَن رضي فله الرضا ، ومَن سخطَ فله السُّخْطُ ) . فلا بدَّ أن تكون القلوبُ سليمةً خاشعةً لله ، حتى تنهضَ بأصحابِها إلى المكانةِ التي أعدَّها الله لها . أما القلوبُ القاسيةُ المظلمةُ المريضة ، بل قُلْ : الميتة فليس لها من سبيل إلا الشقاء ، وإذا أرادت النجاةَ والعافية فليس لها إلا ماجاء في كتاب الله ، وفي سُنَّةِ رسولِه يقول الله تعالى : يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاء لِما في الصدور وهدى ورحمةٌ للمؤمنين (57) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون (58) يونس . ويقول عزَّ وجلَّ : وننزلُ من القرآن ماهو شِفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ، ولا يزيدُ الظالمين إلا خسارا 82/ الإسراء . إنها موعظةٌ بليغةٌ لهذه الأمةِ ، موعظةٌ تعالجُ الفسادَ الذي استشرى في جسدِ الأمةِ المسلمةِ ، موعظةٌ تجلبُ لها العزةَ والكرامةَ ، في حياةٍ كريمةٍ مشرقةٍ بالمآثرِ والفضائلِ ، بل تحييها من جديد ، يقول المولى تبارك وتعالى : أوَمَنْ كان ميْتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمَنْ مثله في الظلمات ليس بخارج منها . كذلك زُيِّن للكافرين ما كانوا يعملون 122/ الأنعام .
فكما أن الفجرَ يخرجُ من ظلمةِ الليلِ ، فإنَّ الفرجَ ــ بموعودِ اللهِ ــ يأتي من مهجِ الشدائدِ . روى الإمام الطبري عن قتادة رضي اللهُ عنه ، أن أعرابيا جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين أجدبت الأرضُ وقحط المطر وقنط الناس . فقال عمر رضي الله عنه : إذن أُمطرتُم . وتلا قولَ الله تعالى : وهو الذي ينزل الغيثَ من بعد ماقنطوا وينشر رحمتَه 28/الشورى . وكأن انبلاج الأمر يتحقق ــ بمشيئة الله ــ عند بلوغ الشدة قِمَّتَها ، ويأخذُ الحالُ بالناسِ إلى حافة اليأسِ ، يقول تعالى : حتى إذا استيأس الرسلُ وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرُنا … 110/يوسف . وشدائد الابتلاء تُمحِّصُ الفردَ المسلم ، والأمةَ المسلمة إذا رُزقَ الفرد المسلم والأمةُ المسلمةُ القدرة على المصابرة ، وقد تطول أو تقصر مدةُ الصبرِ ، ولكنها لاتعدم مناهجَ التربية الإيمانية الحقة ، حيث يعود المسلمُ إلى ذاته ليصلح ما فسد من عقيدة أو سلوك ، ويعمل على مضاعفة مآثره بالأعمال الصالحات ، ويتأسى بمَنْ سبقوه من أهل الإيمان والصبر في الحق ، الذين نجحوا ــ بتوفيق الله ــ في اختبارات الابتلاء كما أنه يعمل على مجاهدة نفسه ، دفعا لوساوس الشيطان وتلبيسه ، وردًّا لرغبات النفس الأمارة بالسوء ، وفي الحديث الشريف : ( ومَن يتقِ الشرَّ يوقه ) . وهذه المجاهدة أو المجالدة تربي الرجال ، وتحيي في نفوسهم العزائم ، حتى ليجدَ مَنْ يجالسُهم ما لا يجده عند غيرهم من المؤانسةِ والانشراح والاستقرار النفسي ، وإضاءات الأمل الوريف رغم الغمم الحالكة التي تخيم على الناس .
هذه العلاقةُ الحميمةُ بين الابتلاء ، وبين ساعة الفرج المرتقبة ــ بإذن الله ــ تحيي فضيلة الصَّبرِ ، الصبر الجميل ، الصبر المحمود الذي يحظى صاحبُه بنورِ معيةِ الله ِ، ( إنَّ اللَّهَ مع الصَّابرين ) ، فيرقى ويسمو ، و وهجُ الابتلاء يزيدُه سُمُوا وقربا من الله ، ولعل الله سبحانه يحبُّ أن يرى عبادَه هؤلاء يتقلبون على جمر المكاره والشدائد ، وهم ثابتون على أصول إيمانهم ، وفسحة يقينهم ، فيضحك الله ــ جلَّ وعلا ــ لصبرهم . عن أبي رزين قال : قال رسولُ الله :{(ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره), قلت:يا رسول الله أَوَ يضحكُ الربُّ؟ قال : ( نعم ). قلت :لن نعدمَ ــ من ربٍّ يضحكُ ــ خيرأ } رواه ابنُ ماجة .
أليس في هذا نداءٌ لأبناءِ هذه الأمة المنكوبة ؟!
إنَّ المسلم العاقل يجيب : بلى . إنه نداء رخيٌّ نديٌّ حنون … فالأمةُ بحاجة إلى السُمُو فوق الشدائد والمكائد ، وفوق الأهواء والشهوات . الأمة اليوم بحاجة ــ حقيقةً ــ إلى إضرام نيران الشوقِ إلى الله ، إلى طاعته والإقبال عليه ، وامتطاء مراكب الرضوان إلى فردوسِه الأعلى ، وهي بحاجة إلى العمل الدؤوب المتَقَبَل وقد أعذ ر ــ والله ــ مَن أنذر ، ونهانا عن هذه الجفوة المقيتة لديننا الإسلاميِّ الحنيف . و وعدنا وبشرنا بالفتح ، آنَ لأبناء الأمة أن يتخلَّوا عن حالة البلادة والاستهتار التي جمعتهم في ملاعب اللهو والمقت والضياع ، لينطلقوا بحالة راشدة تحت لواءِ خيريتِهم نحو المجد والسؤدُدِ ، وعندئذ لن يبالوا بالظلم الدولي ، فرعاية الله كافيةٌ لحمايتهم من الغزاة الجناة ، من أهل الكتاب وغيرهم من المشركين ، وما النصر إلا من عند الله ، وتلك سُنَّةُ اللهِ في خلقِه ، يقول تبارك وتعالى : سنة الله التي قد خلتْ من قبلُ ، ولن تجد لسُنَّةِ الله تبديلا 23/الفتح . إنَّ حُججَ غير المؤمنين بالإسلام من أبناء هذه الأمة قد انقطعت ، وظهر بطلانُ ماهم عليه ، وما نادوا إليه من بعد سقوط الخلافة الإسلامية إلى يوم الناس هذا ، فانكشف أمرُهم ، وباءت تجارتُهم بالبوار والخسران ، ألا فليتقوا اللهَ في أنفسِهم ، وفي أمتهم ، ثم في آخرتهم التي سيوفضون إليها ولن تطول الفترة . فلقد أعذرهم اللهُ ربُّهم وحسبُ ، فلا يغرَّنَّهم اتساعُ مساحات الاستدراج من حولهم ، فليس في الوجود من غالب غيرُ الله العزيز الحكيم ،وصدق الله القائل : إنِ الحكمُ إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه … 40/ يوسف .ولا تخدعنَّهم مرابحُ تجارة الحضارة المادية المزيفة الوافدة من الغرب الفاسق ، أو من الشرق الملحد ،رغم تقدمها العلمي ، لأنها تحمل عواملَ وأسبابَ سقوطها معها : من فجور وسفور وإلحاد ، ومن احتقار لحقوق الإنسان ، ومن امتداد لأشكال الاستعمار المستحدث ، والأهم من كل ذلك حربُها على دينِ الله وأهله … حربها على الإسلام بقوة وعناد ومكر وإصرار ، فلقد داست بقوتها المادية العاتية على أيدي أبنائها الفجار المستهترين كلَّ ما للإسلام من أركان وقيم ومقدسات ومآثر ، واجتاحت بهيمنتِها الاستعلائية مغاني فخار الأمة المسلمة ، وهي تحاول اليوم طمسَ الإرثِ النبوي الكريم … ولكنْ هيهات !!!
هاهو الابتلاء المشحون بالمصائب والويلات والنكبات يجمع كلَّ أعراق أبناء الأمة المسلمة على امتدادها الجغرافي في المعمورة ، لتجديد الهُويَّةِ الأصلية الأصيلة ، ألا إنها الإسلام ، الإسلام بمنهجيته في بناء شخصية الفرد المسلم ، وفي تقوية جوانب العزة والكرامة والتَّميُّز في الأمة المسلمة ، وفي إحياء القيم والآداب ، وفي فتح أبواب الآخرة الباقية على مافيها ، ولها من أشواق وأذواق ، أمام جميع الناس ليدخلوا في دين الله أفواجا ، حيثُ السعادة في الدنيا ، والبشرى عند الموت ، والجنة في ظلِّ الله يوم القيامة . وفي هذا دعوةٌ صادقة للخلق كلِّ الخلق من غير إكراه ولا تسلط ولا تدليس .
يكفي الأمة ضياع هُويتها ، وفقدان شخصيتها ، ونحول حضورها العالمي بعد هزائمها في جميع الميادين وعلى مختلف الجبهات ، ألم يَحِن الوقتُ لتخرجَ من هذا المخاض العسير الشديد ، وتمتطي سفنَ الصَّبرِ ، وتمخر إلى شواطئ إيمانها بالله ، وحبها لرسول الله ، وكفاءتها العالية ، و رصيدها اللامحدود من المآثر ، و وسطيتها المحمودة ، وأهدافها الإنسانية النبيلة . ألا يكفي أبناء الأمة وهم يستمرئون غيابَ وعيِهم ، وبعثرة ما حباهم الله من عقل ومنهاج وقوة ، وكم نتمنَّى أن يكون هذا الاستمراء في غير هذا السبيل ، كخطأ غير متَعَمَّدٍ أو نسيان غير مقصود … حيثُ لايؤاخذُ عليه أبناء الأمة ، وحينها تدركهم عنايةُ الله ، وتشفع لهم إنابتُهم إلى ربِّهم ، فيسدد خطاهم ، ويتم عليهم نعمته !!
آنَ للأُمَّةِ أن تدركَ مهمتها في الحياة ، وتخرج من عباءة الابتلاءات وهي مؤمنةٌ صابرة محتسبة ، لايصدُّها عن دينها ما لاقت من الأذى والظلم ، وحقَّ لها أن تعدَّ العدة الواجبة لحمل رسالة الإسلام من جديد إلى أمم الأرض الدانية والقاصية ، وأن تستبشر بوعدِ اللهِ لها ، و وعدِ رسوله الصَّادقِ الأمين حين قال : ( إنَّ الله زوى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها ، وإنَّ أُمتي سيبلغُ ملكُها ما زُويَ لي منها ) رواه مسلم . ولن تستطيع كلُّ قوى الأرض الباغية يومئذ أن تردَّ هذا النور عن خلقِ اللهِ في أرضِه ، فأعداء الإنسانية مابرحوا يمكرون ويقاتلون ، ولكنَّ اللهَ خاذلُهم . يقول العزيز الحكيم : ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا … 217/البقرة .ولن يستطيعوا ــ بحول اللهِ ــ أن يردونا عن ديننا ، ولن يقدروا على منعنا من الخروج من ظلمات الابتلاء والاعتداء التي حاقت بنا ، ولن نحمل الحقدَ كما حملوه إلينا ، ولن نتمنَّى لغير المسلمين إلا الهداية ، وإن كنا ندعو الله ونردد دائما : اللهم اشدد وطأتك على أعداء الإسلام أينما وُجدوا ، واجعل عليهم كسنيِّ يوسف ، وهيئ للأمة المحمَّديَّةِ فرجا و مخرجا يا أرحم الراحمين .
شريف قاسم