الشعر والأدب
شك والده في نسبه إليه وأمر بقتله ..فبكى ونطق شعرا !!
تراثنا –د .محمد بن إبراهيم الشيباني *:
اهتممت بقراءة شعر أمرئ القيس وحياته أيام الشباب في الستينات أيام كان الواحد منا في العطلة الصيفية يستعد لقراءة الكتب ، حيث كنت اجمع الكتب المتنوعة ، الفنون والعلوم ، وأضعها فوق بعضها لتصل إلى طولي ، ثم أعزم على قراءتها جميعها قبل نهاية الصيف .
وكان ممن حفظت الكثير من شعره امرؤ القيس ، حيث لم يكن هناك شاعر أتقن الشعر وأحكم قوافيه وأوضح معانيه ولخصها وكشف عنها ، وجانب التعويص والتعقيد فيها مثله ، كان إذا قال أسرع ،واذا مدح رفع ، وإذا هجا وضع .
وأول شعر قاله امرؤ القيس حسبما تنقل المصادر أنه راهق ولم يقل شعراً، فقال أبوه : هذا ليس بأبني ، إذ لو كان كذلك لقال شعراً ، فقال لأثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه ، فمضيا به حتي وصلا إلى المحل المعين ، فشرعا بذبحه فبكى وقال :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فرجعا به إلى أبيه ، وقالا هذا الشعر من على الأرض ، قد وقف واستوقف ، وبكى واستبكى ، ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت قام إليه وعانقه وقبله وقال : انت ابني حقا ، وآخر شعر قاله امرؤ القيس أنه وصل إلى جبل عسيب ،وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر ، فأخبر بأنه قبر بنت ملك فقال :
أجارتنا إن المزار قريب
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب
يقول الباحث سعد بن جنيدل في كتابه ” معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر ” في هذا البيت ثلاثة مواضع ذكرها الشاعر الجاهلي ، وبعد تقص دقيق توصلت إلى هذه الأماكن تقع على مسافة مئتي كيلو شرق مدينة عفيف ، أي في قلب المملكة العربية السعودية .
هل نطق بالقرآن قبل الوحي ؟
وقيل أن إن أمرؤ القيس تكلم بالقرآن قبل أن ينزل وهو ما نقله المناوي في فيض القدير :
يتمنى المرء في الصيف الشتاء
حتى إذا جاء الشتاء انكره
فهو لا يرضى بحال واحد
قتل الأنسان ما أكفره
اقتربت الساعة وانشق القمر
من غزال صاد قلبي ونفر
إذا زلزلت الأرض زلزالها
وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها
ليوم الحساب وترى حالها
يحاسبها ملك عادل
فإما عليها وإما لها
وقد جاءت ردود عدة دفعت بعدم صحة ما نُسب إلى امرؤ القبس بالنطق بالقرآن قبل وحيه ومنها ما ذكر في هذا الموقع (مشروع الحصن) المختص بدحض الشبهات حول الإسلام وغيرها .
جرني الحديث في هذا الموضوع ، ولإفادة القراء كذلك – عندما مر علي قول أثناء البحث منسوب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، غير صحيح تحدث فيه عن أمريء القيس “ أمرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار ، لأنه أول من أحكم قوافيه ” وقد ضعف هذا الحديث أكثر من مصدر حديثي في السابق واللاحق ، منهم أبو عروبة في “الأوائل ” وابن عساكر في ” تاريخه ” وضعف الحديث المناوي في السابق والألباني في اللاحق في كتابيه ” سلسلة الأحاديث الضعيفة 2930 وضعيف الجامع 1/384 .
وامرؤ القيس سبق العرب في اشياء ابتدعها فاستحسنوها وتبعه فيها الشعراء منها : استباق صحبه وبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه النساء بالظباء البيض والخيل بالعقاب والعصي ، وقيد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى ، كما شرحه الشراح ولو كان الحديث ضعيفاً ، هذا لواء الشهرة في الذم وتقبيح الشعر ، وليس طبعاً كل الشعر ، فإن بعض الشعر لحكمة كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت يوم قريظة ، ” أهج المشركين فإن جبريل معك ” وفي رواية ” اهجوا بالشعر ، إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله ،والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحوهم بالنبل ” .
والله المستعان ..
* رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا .
تواصل مع تراثنا