لإعراضهم عن طمأنينة الإيمان بالقدر شره وخيره
استحوذ الشك بالجبناء ودفعهم إلى ترقب الموت في كل أفق
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
” ونحن ننادي بـأخذ الحيطة للمستقبل ، وإرصاد العوض لكل مصاب ، ولكننا نستنكر المتاجرة بالذعر الناشيء عن خور اليقين ، كما تفعل شركات التأمين ،ونستنكر الفرق الذي يستحوذ على الجبناء عندما يدفعهم الشك إلى ترقب الموت كامناً في كل أفق ..” محمد الغزالي – يرحمه الله .
د . الشيباني :
-
راجت شركات الخوافين ( التأمين ) في الغرب وانتشرت في الشرق العربي والإسلامي وباتت عقيدة الايمان بالقدر مهمشة عند الناس .
-
انتشر بين اغلب التجار وغيرهم فقه المصائب المتوهمة ، فإذا لم يضمن على بضاعته أو حياته.. اتهموه بالسفاهة والبخل !
-
الغزالي : الخوف من المستقبل يصيب البعض بفرط القلق والإجهاد والأمراض في حين أنه سليم معافي إلا من توتر أعصابه .
الفزع من المستقبل
نعم ، لقد نشأ في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية مجموعة من الخوافين ، تفزع من المستقبل المجهول ، حتى ليسأل التاجر الآخر : أضمّنت على بضاعتك من الحريق والغرق والسرقة و ..و ..؟ فإذا ضَمّن ، قيل له ما أذكاك ، ما أحرصك ، وإذا لم يضمن على بضاعته ، قالوا : ما أغبى فلاناً اشترى بضاعة بمئات الالاف من الدنانير ، ولم يؤمن عليها ، ما أبخله أو ما أسفهه ! لأنه لا يقين له بما قدره الله لعباده من ارزاق ، وحياة وممات ، وصحة وسقم ، انتشر بين أغلب التجار فقه المصائب المتوهمة !
فرط القلق
أورد العلامة محمد الغزالي في كتابه ” جدد حياتك ” قصة تاجر اعتاد أن يعذب نفسه بهذه الأفكار ، يقول : ” ماذا لو تصادم القطار الذي ينقل البضاعة ؟! ماذا لو انهار جسر في اللحظة التي يمر القطار فيها ؟ نعم إن البضاعة مُؤمَن عليها ، ولكنه يخشى إن لم تصل الفاكهة في الوقت المحدد أن يفقد عملاءه ، ولقد اجهد نفسه من فرط القلق حتى خيّل إليه أنه أصيب بقرحة في المعدة ، فذهب إلى الطبيب، فأكد له الطبيب أنه سليم معافى إلا من توتر أعصابه “.منقولة من كتاب ” دع القلق وأبدأ الحياة ، للعلامة ديل كارنيجي .
قال التاجر ” جرانت ” : لقد أحسست عندما قال لي الطبيب هذا ، كأنما خرجت من الظلمات إلى النور ، وأخذت اسائل نفسي ، كم عربة من عربات البضاعة استخدمت خلال العالم المنصرم ؟ وكان الجواب : نحو خمسة وعشرين ألف عربة ، وعدت أسأل نفسي ، كم من هذه العربات تحطم لسبب من الأسباب ، وكان الجواب : خمس عربات من خمسة وعشرين ألف عربة !ّ أتدري ما معني هذا ؟
معناه : أن معدل نسبة الخسارة هو عربة واحدة من كل خمسة آلاف عربة ، فعلام القلق هذا ؟”
أخادعهم ويخادعوننا !
اردد دائما في نفسي ومع من يسألني عن التأمين ، كم أخذت منك الشركات من مبالغ طيلة السنة لسيارتك ؟ قال : بل لا تقل السنة ، بل قل السنوات .. مبالغ كبيرة بالألاف ! وسألت آخر : كم أخذت من مبالغ من الشركات نظير تأمينك الشامل ؟ قال : أخذت مئات بل قد تصل إلى ألوف الدنانير ، أخادعهم كما يخدعوننا !
قلب : سبحان الله ، ما ذنب الخاسر من التأمين الذي لم يأخذ من الشركة ، ليأخذه الآخر مكانه ؟ بل وما ذنب الشركة التي يأخذ المُؤمَن أكثر مما وضعه من مبالغ ؟ وهذا بشمل كذلك التأمين ضد الغير .
الخوف من المجهول
تطور التأمين من السيارات إلى الممتلكات والبضائع بل الأرواح ، يسارع الناس إلى التأمين خوفاً من المجهول ! وهو ضعف الايمان بالقدر خيره وشره من الله .
شركات الخوافين
شركات الخوافين ( وما اكثرهم اليوم ) راجت في الغرب ، ثم تبنتها دول الشرق العربي والإسلامي ، وأصبح المجتمعان واحداً في الخوف ، حتى المسلم لم يستفد من الفقه في دينه – إلا من رحم – وباتت العقيدة عند الناس مهمشة سطحية ، أو قشوراً لا فائدة منها ، والخاسر ليس الإسلام العظيم ، ولكن من أعرض عنه .
ولو كان الأمر بيدي لما أمنت على سيارتي حتي ضد الغير ، لأني لا أذكر أني أخذت من التأمين منذ قدت السيارة في الستينيات إلا مرة أو مرتين ، التأمين الشامل أو ضد الغير .
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق
ومجلة تراثنا
طالع : الشيخ صالح الفوزان ( عقيدة الأيمان بالقضاء والقدر ) يوتيوب