الشعر والشعراء
تراثنا – د. محمد بن إبراهيم الشيباني * :
تساؤلات كثيرة تدور حول دور العالم الآخر واقصد به عالم الجن في اثراء عبقرية بعض الشعراء وابداعاتهم الشعرية التي تصل من قوة البلاغة ما يفوق القدرات البشرية .. فما مدى صحة هذه المزاعم ؟
في البدء ، نأتي الى قول الله تعالى : (وَٱلشُّعَرَاۤءُ یَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ ٢٢٤ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِی كُلِّ وَادࣲ یَهِیمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمۡ یَقُولُونَ مَا لَا یَفۡعَلُونَ ٢٢٦) سورة الشعراء ، روى مسلم من حديث عمر بن الشريد عن أبيه ( وهو سويد الصحابي ) قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوما) فقال : هل معك من شعر أمية بن ابي الصلت شيء ؟ قال : نعم ، قال : “هيه” ، فأنشدته بيتاً ،فقال : “هيه” ، ثم انشدته بيتاً ، فقال : “هيه” ثم انشدته مئة بيت .
يقول القرطبي : وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعاً وطبعاً، وأما استكثار النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية ، لأنه كان حكيماً.
ومن أحسن ما قاله محمد بن سابق من شعر في الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم :
أني رضيت علياً للهدى علماً
كما رضيتُ عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيتُ أبا حفص وشيعته
وما رضيت بقتل لا شيخ في الدار
كل الصحابة عندي قدوة علمُ
فهل عليّ بهذا القول من عار؟
أن كنت تعلم أني لا أحبهم
إلا من أجلك فاعتقني من النار
و ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من شعر قوله :
فقدنا الوحي إذ ولَّيت عنا
وودَّعنا من الله
شعراء العرب والجن
وردا على التساؤل المطروح : هل للشعراء تابعون من الجن ؟ من أغرب ما نُسب العرب إلى الجن. نظم الشعر (الكرملي) وذكروا عن الجن بيتاً قالته في حرب بن أمية حين قتلته ،والبيت مشهور عند علماء البيان ، يأتون به شاهداً على تنافر الحروف وهو :
وقبر حرب بمكان قفرُ
وليس قرب حرب قبرُ
ودليلهم على أنه من قول الجن أنه لم يأت لأحد من الإنس أن ينشده ثلاث مرات متواليات ولا يتتعتع (تردد) في إنشادها !
وكان العرب يزعمون أن لكل شاعر مجيداً نابغاً أو جنياً يلقنه الشعر (الكرملي) روى مظعنون الأعرابي عن أبيه قال : مررت بشيخ عليه أطمار فعلمت أنه جان ، فقلت له أتروي شيئاً من أشعار العرب ؟ فقال : نعم فأنشأ يقول :
طاف الخيال علينا ليلة الوادي
من آل سلمي ولم يلم بميعاد
إلى آخر ستة أبيات ، فلما فرغ من إنشاده ، قلت له هذا الشعر لعبيد بت الأبرص ! فقال الجني : ومن عبيد لولا هبيد ! فقلت و من هبيد ؟ فأنشد يقول :
أنا ابن الصلادم أدعى الهبيد
حبوت القوافي قرمي اسد
عبيداً حبوت بمأثورة
وأنطقت بشراً على غير كد
ولاقى بمدرك رهط الكميت
ملاذاً عزيزاً ومجداً وجد
منحناهم الشعر عن قدرة
فهل تشكر اليوم هذا معد
قلت : ومن مدرك ؟ قال : هو ابن داغم صاحب الكميت وابن عمي وكان الصلادم وداغم من اشعر الجن .
وقال ابن مظعون لما حدثه أبوه بهذا الحديث أنه أحب إذ علم أن لشعراء العرب شياطين تنطق به على ألسنتها أن يعرف ذلك ورجا أن يلقى مدركاً الذي ذكره الهبيد لأبيه ..
الجن أشعر العرب !
وإذا اردت ان تعرف عن أشعر شعراء العرب ، فهم الجن كما قال مسحل السكران بن جندل (الجني) للشامي : ” أرو قول لافظ بن لاحظ وهباب وهبيد وهاذر بن ماهر “! فقال الشامي : هذه أسماء لا أعرفها . قال : أما لافظ فصاحب أمرئ القيس ، وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر ، وأما هاذر فصاحب زياد الذبياني وهو الذي استنبغه .
لكل شاعر نابع تابع !
ويروون للجن شعراً كثيراً ، وقد أشار الأعشى في بعض قوله إلى اشتراك الجن والانس في النظم وما زعموا من أن لكل شاعر تابع
اً فقال :
شريكان فيما بيننا من هوادة
صفيان إنسي وجن موفق
يقول فلا أعيا بقول يقوله
كفاني لا عيٌ ولا هو أخرق
وذكر أن الفرزدق سئل عن شياطين الشعر فقال : إن للشعر شياطين يدعى احدهما الهوبر والآخر الهوجل ، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه ، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره !
وهذا البحث كثيرة أبوابه ويكفينا أننا طرقناها او قل ذكّرنا بها ، أما الطارق الأول لها الأب انستانس الكرملي العراقي ذو الألقاب المستعارة المتعددة .
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
نقلا عن تراثنا – العدد 61
تواصل مع تراثنا
أنستاس الكرملي, استعانة الأنس بالجن, اشعار العرب, الدكتور محمد بن إبراهيم الشيباني, الشعراء العرب والجن, سر نبوغ الشعراء العرب, عالم الجن والأنس, والشعراء يبتعهم الغاون