انتقاءات من كتاب (في بلاد اللؤلؤ) الحلقة الأولى
سياحة بين سطور من ماضي الكويت بعين شامية
تراثنا – التحرير :
تستل تراثنا مقتطفات من ذكريات طوتها السنين ، وخلدتها الأوراق ، من سطور دونها المحامي الأستاذ فيصل العظمة في كتابه (في بلاد اللؤلؤ) .
تحدث فيها العظمة ” يرحمه الله ” عن مشاهداته لمعالم الحياة في الكويت عندما قدم لسنة واحدة للعمل ضمن أوائل البعثات التعليمية السورية في مدراسها ، في شوال عام 1361 هجرية ( 1942 م ) فكانت سطوره التالية شاهدة على حقبة زمنية مضت .
العظمة :
-
الحدود بين الكويت والعراق ..حجر صغير حقير على الإسمنت من الأرض يكاد يعثر به المرء ولا يشعر !
-
وصلت البعثة التعليمية دار شملان حيث استقرينا وغيرنا توقيت الساعات إلى التوقيت العربي المحلي .
-
استرعى انتباهي من بين من قدموا للسلام علينا فتى وسيم لطيف هو الشيخ جابر العبدالله ابن رئيس المعارف .
-
استقبلتنا ساحة تدعى ” نايف ” مضاءة بأنوار الدور الحكومية وساحة ” صفاة ” وناس تستمع إلى (الرادي) وتدخن ” القدو ” !
بعد سبعة أيام ، عند وصوله بالقطار ، قادماً من دمشق مروراً بحلب إلى بغداد ، ثم إلى البصرة ..يصف الأستاذ العظمة المشهد بالتالي :
ومنها ركبنا السيارات ( البوكس ) إلى الزبير ، ومنها إلى مكان اسمه ( صفوان ) ، وهو آخر مخفر عراقي على الحدود الجنوبية .
وبعد ( عدة ) أكيال ، أشار السائق إلى حجر صغير حقير على الأسمنت من الأرض الرملية ، يكاد يعثر به المرء ولا يشعر ، وقال : أنه الحد الفاصل بين المملكة العراقية وإمارة الكويت المستقلة ..
ودخلنا حدود الكويت ، وأخذت السيارات تندفع بنا في بحر الرمل ، وأرخى الليل سدوله ، ولكن طلع القمر بعد قليل ، إذ كانت الليلة السادسة عشر من شوال ، ولم يلمح لعيني نور أو قبس من نور سوى ضوء القمر ، وبقيت السيارات تسير في الصحراء نحو خمس ساعات ..
وصلنا الكويت
ثم ينتقل إلى القول : ..ودق السائق بوق سيارته ، وانعطف ذات اليسار ، فرأيت على ضوء السيارة سوراً فيه بوابة كبيرة ، فقلت بفرح : وصلنا .
ودخلت السيارة من البوابة إلى شارع مفروش بالرمل بعرض ستين متراً تقريباً ، اسمه ” ساحة نايف ” ، وحيانا الحرس بسرعة واقتضاب ثم مررنا بساحة “الصفاة ” الفسيحة ، التي كانت تشع فيها الأضواء من دور الحكومة والمقاهي ، وكان الناس قاعدين يستمعون إلى الرادي (1) يدخنون ” القدو ” أي الاركيلة ، وما كادت تقف السيارات أمام دار الأمن حتى توافد الناس للسلام علينا ، وشاع الخبر في المدينة مثل البرق بأن البعث السورية قد وصلت ، و الغريب أنه لم يكن في استقبالنا أحد لا من طرف الأمير ولا من طرف الحكومة .
التوقيت العربي
ويواصل العظمة حديثه مشيرا إلى استقرارهم في دار الشملان حيث نزل الأخوة السوريين مكرمين فيها ، ويقول ” وللحال غيرنا ساعاتنا فجعلناها عربية على عادة القوم هناك ..
ويستأنف : واخذ الناس يتوافدون للسلام علينا أفرادا وجماعات من كل الطبقات .. وقد استرعى انتباهي بين الشباب فتى وسيم لطيف أتى للسلام علينا هو جابر العبدالله نجل رئيس المعارف .
زيارة الأمير
وفي اليوم التالي ، ذهبنا جميعا للقيام بواجب السلام على سمو الأمير (2) ، سرنا في الطريق وكنت أسال الشملان : هل استأذنت سموه ، وكيف تقابله بدون سابق موعد ؟ فكان يبتسم ويقول : ما يخالف أي لا مانع .
وصلنا قصر ( الكشك ) ، وهو قصر من طابقين مبني من الطابوق ، أي الآجر العراقي ، بسيط الهندسة ، قليل الزخرفة .. ودخلنا القصر بلا استئذان ، ومررنا إلى البهو حيث يقعد سمو الأمير ، ولم يسألنا الحاجب والجنود الذين لا يمنعون اتصال الناس بالأمير ،وهذا تواضع يحمد عليه ملوك وأمراء العرب ، ورأينا ( الفداوية ) أي الحرس الأميري الخاص بألبستهم العربية المعروفة يحملون ( التفك ) أي البنادق ، والعبيد يحملون على أيديهم الصقور .
ذعر بحضور الأمير
ويمضي إلى القول عن مشاهداته داخل ( الكشك) حسب وصفه للقصر : ..ما وصلنا إلى قرب الباب (مكتب الأمير) حتى عرتني الدهشة حينما نهض من في صدر المكان يرحب بنا ، ويصافحنا هو سمو الأمير نفسه !!
ققعدنا قربه وكان هو قاعداً على ( قاطع ) إلى قرب نافذة تطل على البحر وبجانبه الهاتف ، وبعد تبادل التحيات واثناء الحديث ، فجأة دوى البهو بالصياح ، وسمعت جلبة وضوضاء ، وعلت أصوات الجنود و الفداوية ، و الخدم والعبيد بصورة شديدة ، رنت لها أرجاء البهو ، فذعرت قليلاً واتجهنا جميعا نحن الضيوف بأنظارنا إلى الباب ، وحسبنا أنه حدث ما لا يرضي ، أو أن أحدا يريد الاعتداء على القصر ، أو الدخول بالقوة !
قهوة !
ولكن تبين أن هذه الصيحات لم تكن إلا ترديداً لأمر سمو الأمير (قهوة) ، فردد الجميع ( قهوة ) (قهاوة) (إي والله قهوة) وهي طريقة يخبر بها الحرس بعضهم بعضا ، حتي يتصل الأمر بمسامع ” راعي المعاميل ” أي صانع القهوة ..وتقهوينا .
استقبلنا سمو الأمير باحترام ولطف وبشاشة ، وسألنا عن سورية ومصر، وعن سفرتنا ، وهنأنا بالسلامة ، ثم استأذنا سموه وانصرفنا شاكرين .
وطفنا كذلك على بقية (الشيوخ ) أي الأمراء ، وسلمنا عليهم أيضا ورددنا التحيات لكبار القوم .
وللحديث بقية ..
كاتب وكتاب
يقع كتاب( في بلاد اللؤلؤ ) في 213 صفحة من الحجم الوسط ، وحفل بالكثير من المواقف والأحداث والشخصيات التي دونها المؤلف، لتكون وثيقة عن حقبة زمنية مضت ، والنسخ تتوفر لدى مركز المخطوطات والتراث والوثائق للسادة الباحثين والمهتمين بالتراث والتاريخ الكويتي .
هامش :
1- راد : على وزن ناد والجمع رواد كنواد عربناها عن راديو .
2- الأمير : الشيخ أحمد الجابر الصباح ( 1885- 1950 م) .
الصور : ( تاريخ الكويت ) ، شبكة الانترنت
طالع : تقرير تراثنا عن كتاب ( في بلاد اللؤلؤ ) .
تواصل مع تراثنا