الكويت تطفو على بحر من النفط وعلى مثله من الآثار !!
تراثنا – حوار خالد أبوقدوم : التقت تراثنا مدير إدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور سلطان مطلق الدويش، فتحدث عن آثار الكويت، فكان حزيناً حيناً، وفرحاً في حين آخر، كاشفاً في الوقت ذاته عن بعض تفاصيل ما تمتلكه البلاد من آثار، تجعلها في مقدمة الدول الخليجية.. نتابعها معا.
بعد توقف دام لأشهر متتالية انطلقت من جديد في الرابع من أكتوبر العام الماضي معاول الحفر والتنقيب بالإدارة العامة للمتاحف والآثار في موقع بحرة بمنطقة الصبية شمال الكويت، بالتعاون مع البعثة البولندية التي باشرت عملها من يوم وصولها ولمدة شهر ونصف في منطقة تحظى بأهمية بالغة، فيها تم اكتشاف أقدم بصمة بشرية على مستوى الشرق الأدنى القديم، مطبوعة على كسرة فخارية أثرية يتجاوز عمرها أكثر من 7300 عام.
د . سلطان الدويش ل ( تراثنا ) :
• نجحت كوادرنا الوطنية في عمليات التنقيب وفشلت البعثات الأجنبية لأنهم ظنوا أن الآثار موجودة على الساحل وجهلوا أن الساحل تراجع 6 كيلومترات !
• مدينة بحرة تعد أكبر مدينة عبيدية في الخليج ضمن أقدم حضارة ممتدة في الخليج وإيران العراق .
• اكتشافات موقع بحرة الشمالي لأقدم حضارة أنسانية يبلغ عمرها 7500 م سنة قد يغير المعتقدات عن نشأة الحضارات السابقة.
اكبر مدينة عبيدية
ويعد هذا الموقع من المواقع الحضارية والأثرية التي من الممكن أن تمثل بداية الحضارة الإنسانية في العصور الحجرية لاسيما بعد اكتشاف مدينة سكنية ومعبد ومجموعة من المقابر والأواني الفخارية وآبار المياه، والتي تمثل جانباً هاماً من حياة الإنسان البدائي في المنطقة نفسها .
يقول مدير إدارة الآثار والمتاحف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور سلطان الدويش عن موقع بحرة: «من الثابت في التاريخ أن مدينة بحرة تعد أكبر مدينة عبيدية في الخليج ضمن «حضارة العبيد» الممتدة في الخليج والعراق وإيران، بعد أن كان يعيش الإنسان في الكهوف والتي ينسب اسم حضارتها إلى «حضارة العبيد» التي سميت نسبة إلى أول موقع حصلوا علية في العراق يسمى العبيد، فيما اكتسب الموقع اسمه من اسم رجل كان يسكن العراق.
مدينة المدافن !
سألته : منذ متى وأنتم تعملون في الموقع ؟
أجاب : منذ أكثر من عشر سنوات.
ويضيف : ثم جاءت بعد العبيد «حضارة المدافن» ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى أننا لم نجد بعد أعمال البحث والتنقيب إلا على مدافنهم ومعابدهم فقط ، أما باقي المعالم من بيوت وغيره فمن المرجح أن نجدها في قادم عمليات التنقيب.
حضارة دلمون
لم يتوقف توالي الحضارات على أرض الكويت فعقب «حضارة العبيد» وفي الألف الثالث والرابع قبل الميلاد فيما يعرف بالعصر البرونزي بدأت تظهر في الخليج «حضارة دلمون» ودلمون هي مملكة بحرية مكونة من ثلاث إمارات على شكل جزر، وكل إمارة مستقلة عن غيرها لكنها مملكة واحدة والجزر الثلاث هي : جزيرة فيلكة الكويتية وهي العاصمة، وجزيرة تاروت شرق السعودية، وجزيرة البحرين.
بحر من الآثار
يظن الغالبية أن الكويت فقيرة بالآثار، والحقيقة مغايرة لذلك تماماً ، فالكويت التي تطفو على بحر من النفط، تطفو على بحر مثله من الآثار، وليس في القول مبالغة، ففي الوقت التي تضم فيه جزيرة فيلكة مئة موقع أثري وباقي الكويت عشرين تضم الصبية وحدها مئتي موقع والعدد بازدياد مع توالي عمليات التنقيب في كل أنحاء البلاد، وبذلك يكون مجموع المواقع الأثرية الكويتية ثلاثمئة وعشرون موقعاً المسيج منها ستون، بعضها مناطق كبيرة تصل لـ 2 كيلو و3 كيلو.
-
مجموع المواقع الأثرية الكويتية ثلاثمئة وعشرون موقعاً المسيج منها ستون، بعضها مناطق كبيرة تصل لـ 2 كيلو و3 كيلو .
-
كوادر المتحف الوطني نجحت في اكتشاف مدافن بالآلاف ومدن لحضارات تمتد ل 8 الألاف سنة .
خيبة أمل
الغريب في تلك المنطقة أن أول مسح جرى لها كان في عام 1958 من قبل بعثة دانمركية لمدة أسبوع لكن أفرادها عادوا بخفي حنين، ثم جاءت الأميركية الشهيرة الدكتورة « ريزا كارتر» في عام 1985 وخرجت بنتيجة سلفها، ثم جاء مواطنها «برونو» بعد ذلك تتملكه الحماسة والتحدي، شاداً مئزره شاحذاً معوله، فمسح الصبية عن بكرة أبيها ثم ولى وجهه شطر الخويسات حتى وصل إلى وادي الباطن الحد الفاصل بين الكويت والعراق، فما حصد إلا خيبة ..
4 آلاف مدفن
الخبرات الكويتية التي أخذت على عاتقها خوض التجربة بالبحث والتنقيب عقب إخفاق البعثات الأجنبية بالصبية، ظن الكثير حينها أنها محاولات عبثية لن تاتي أكلها، لكن السواعد الكويتية وبمقدمتها الدويش كان لها رأيٌ آخر، فدشنوا ضربة معولهم الأولى عام 2000 م فحققوا ما لم يحققه غيرهم من الخواجات، فاكتشفوا مدافن صغيرة، كانت أولى البشارات ثم مع توالي التنقيبات عثروا على أربعة آلاف مدفن، وعثروا كذلك على مدن من العصور الحجرية مثل مدينة بحرة (1) وعمرها حوالي ثمانية آلاف سنة !!وهنا يحق للمهتمين التوقف حيرة.. كيف نجح الكويتيون في الوقت الذي أخفق فيه غيرهم من أصحاب الخبرات العالمية ؟
لهذا فشل الأجانب
عن هذا يقول الدويش مفتخراً بما حققه مع زملائه ويحق له الافتخار: « كل البعثات الأجنبية لم توفق بالحصول على أي أثر لسبب بسيط، وهو أنهم كانوا يعتقدون أن الآثار موجودة على الساحل وجهلوا أن الساحل تراجع 6 كيلومتر بفعل طمي شط العرب، وذلك ما فطنا إليه ونقبنا على أساسه فاكتشفنا فيها من المعالم ما يؤكد أن الصبية كانت هي ( الكويت القديمة ).
يبدو أن التوفيق قد لازم «أصحاب الأرض» لكن حتما أهل مكة أدرى بشعابها..هكذا يقول العرب.
آخر التنقيبات
الفريق الكويتي للمسح والتنقيب بقيادة الدكتور سلطان الدويش ، والدكتور فهد الوهيبي من جامعة الكويت، اكتشف بشهر مارس الماضي مدافن جديدة تضاف إلى رصيد البلاد الأثري كان مسرحها حد حمار (ضلع نوره) بمنطقة الخيران ـ التي كانت تسمى العدان قبل الإسلام ـ في الجزء الجنوبي الشرقي على جانبي النتوءات الصخرية ومسافة ثلاثمئة متر عن ساحل البحر ومسافة 10 أمتار عن سياج حديدي لموقع النقش الثمودي وقد عبر الدويش عن سعادته بالاكتشاف الجديد موضحاً : « خلال الأسبوعين الأول والثاني تم تحديد اثنتي عشرة منشأة حجرية في الموقع، هي قبور تم العمل في ثلاثة منها تحمل أرقام 1- 5 – 9 وسيكتمل العمل بالباقي لاحقاً في في يناير 2019.
الاكتشاف الأهم
يذكر أن د . سلطان الدويش المطيري كان قد أماط اللثام عن أهم اكتشاف أعلن عنه في نوفمبر 2018 م ، تمثل في عثور بعثة أثرية يقودها عالم الآثار البولندي بيوتر بيلينسكي في موقع بحرة رقم 1 الشمالي على معبد وساحة عامة لمدينة “معبد” يبلغ عمرها 7500 سنة مما يشير لوجود حياة مجتمعية متقدمة تلك الفترة…اعتبرت وكالات الانباء ألأكتشاف خبراً هاماً من شأنه تغيير المعتقدات السابقة عن نشأة الحضارات السابقة .
تفاصيل الخبر نشرته تراثنا على الرابط هنا
ثم يمسك الدويش بأوراقه الكثيرة، مخرجاً من بينها صورة قبر رقم (خيران 1 ) ويقول : «يتكون من ظاهرة مستطيلة الشكل تتجه من الشمال إلى الجنوب، وتبرز الحجارة على السطح وقد تم تحديد الجزء الجنوبي للقبر لبداية أعمال التنقيب، وجرى فتح مربع اختبار متر في متر وعمق 50 سم في الجهة الجنوبية الغربية لمعرفة امتداد الطبقات، ويبلغ طول المنشأة الحجرية 7.5 وعرضها 3.5 وبناء على مقارنات لأشكال المستطيل في مناطق الخليج العربي لاسيما مواقع الإمارات نعتقد أن هذا الشكل يعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.
قبور أم النار
ويواصل الدويش تعليقه على القبور المكتشفة ويشير إلى صورة قبر رقم(خيران 5 ) ويقول : « يقع هذا الموقع جنوب تلال منطقة الخيران على الجانب الغربي للسفح المنحدر، ويميل شكله إلى الشكل الدائري وتظهر المصاطب الحجرية الضخمة على أطرافه الدائرية ويبلغ قطره 4.5 متر وارتفاعه الظاهر 50 – 60 سم ويتكون من طبقات عدة من الصخور المشذبة والمقطوعة بشكل جيد لتعطي شكلاً دائرياً، ونعتقد بوجود مدخل في الجهة الشرقية كما نلاحظ بعض الصخور التي توجد بها أشكال نحت غير واضحة المعالم، ومن الممكن أن نؤرخ هذا القبر إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد بالفترة المعروفة باسم أم النار».
ويعرض الدويش صورة مدفن (خيران 9 ) موضحاً : « يأخذ الشكل البيضاوي تقريباً ويميل للشكل المقبب، علما بأن كل شكل للقبر يدل على حقبة وقد شوهد انتشار العظام البشرية على السطح الخارجي للتل، مما يوحي بتعرضه للتخريب في وقت مبكر جداً على يد لصوص القبور الباحثين عن الكنوز».
الجرهاء والجهراء
الكويت زاخرة بالآثار وما فيلكة والخيران والصبية إلا عناوين عريضة لما تحويه من آثار الأمم السابقة، تكاد تغطي كل البلاد بحدودها الحالية أما التفاصيل فالدويش يروي لنا جزءاً منها : « مع مجيء الإسكندر إلى الخليج عام 300 قبل الميلاد في العصر الهيلينستي كانت هناك مدينة تسمى الجرهاء وهي مدينة غنية ومسيطرة على تجارة التوابل والبخور، وبعد انتهاء دولة الإسكندر انتهت مدينة الجرهاء واندثرت .
هذه المدينة يقول عنها كثير من الباحثين إنها في شرق السعودية لكنهم لم يعثروا على شواهد تؤكد صحة كلامهم، لكن الدويش بحسه الأثري له رأيٌ مغايرٌ يصل لدرجة اليقين كاشفا بحججه وأدلته ما يؤكد جهراوية الجرهاء ويقول بلغة الواثق : « بعد عمليات التنقيب في الجهراء عثرنا على عملات مسكوكة وقد كتب عليها ضربت في الجرهاء بالخط العربي، كما أننا وجدنا بالصبية مومياء ملفوفة بجلد الغزال مدفونة على طريقة القرفصاء التي تدفن بها الممالك العربية، وليس بالاستلقاء على الظهر كما هي الطريقة الهيلينستية في الفترة الزمنية نفسها التي وجد فيها أهل الجرهاء في المنطقة والممالك العربية.
رابط الحلقة الثانية من اللقاء
الصفحة الرئيسية تراثنا
الإشتراك في ايميل خدمة تلقي الاخبار الإسبوعية
التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء أدناه